وَيَسْتَدِلُّ بِحَدِيثٍ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَمَرَ بِأَنْ يُحْرَقَ رَحْلُ الْغَالِّ» وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ ذُكِرَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَكَادُ يَصِحُّ وَقَدْ كَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الْجَيْشِ أَعْرَابٌ جُهَّالٌ يَكُونُ مِنْهُمْ الْغُلُولُ فَلَوْ كَانَ يَسْتَحِقُّ إحْرَاقُ رَحْلِ الْغَالِّ لَاشْتُهِرَ ذَلِكَ وَنُقِلَ نَقْلًا مُسْتَفِيضًا، أَرَأَيْت لَوْ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَصَاحِفُ كَانَتْ تُحْرَقُ وَاسْتُكْثِرَ مِنْ الشَّوَاهِدِ لِاسْتِبْعَادِ هَذَا الْقَوْلِ وَكَمَا لَا يَلْزَمُهُ إذَا سَرَقَ بِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ إذَا سَرَقَ عَبْدُهُ أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّ فِعْلَ هَذَا فِي السَّرِقَةِ كَفِعْلِهِ وَقَدْ بَيَّنَّا هَذَا فِي كِتَابِ السَّرِقَةِ.
وَإِذَا قُسِّمَتْ الْغَنِيمَةُ عَلَى الرَّايَاتِ فَوَقَعَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ أَهْلِ رَايَةٍ أَوْ عَرَافَةٍ فَأَعْتَقَهَا رَجُلٌ مِنْهُمْ، قَالَ: يَجُوزُ إذَا قَلَّ الشُّرَكَاءُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ ثَبَتَ بِقِسْمَةِ الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِعَدَمِ الْقِسْمَةِ عَلَى الْإِفْرَادِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لِلْإِمَامِ رَأْيُ الْبَيْعِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا رَأَى الْقَتْلِ فِي الْأَسَارَى فَكَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَ أَهْلِ تِلْكَ الْعَرَافَةِ شَرِكَةَ مِلْكٍ وَعِتْقُ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ نَافِذٌ وَلَكِنَّ هَذَا إذَا قَلُّوا حَتَّى تَكُونَ الشَّرِكَةُ خَاصَّةً فَأَمَّا إذَا كَثُرُوا فَالشَّرِكَةُ عَامَّةً وَبِالشَّرِكَةِ الْعَامَّةِ لَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْعَتَاقِ كَشَرِكَةِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَالِ بَيْتِ الْمَالِ ثُمَّ قَالَ: وَالْقَلِيلُ إذَا كَانُوا مِائَةً أَوْ أَقَلَّ وَلَسْت أُوَقِّتُ فِيهِ وَقْتًا وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ حُكِيَ فِيهِ أَقَاوِيلُ فَقَالَ: قَدْ قِيلَ أَرْبَعُونَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ حِينَ كَثُرَ الْمُسْلِمُونَ فَكَانُوا أَرْبَعِينَ، وَقِيلَ خَمْسُونَ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْإِيمَانِ فِي الْقَسَامَةِ وَقِيلَ: مِائَةٌ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ} [الأنفال: ٦٦] وَقِيلَ: إذَا كَانُوا يُحْصَوْنَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى كِتَابٍ وَحِسَابٍ وَقِيلَ: إذَا كَانُوا بِحَيْثُ لَوْ وُلِدَ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ يَظْهَرُ ذَلِكَ مِنْ يَوْمِهِ فَهُمْ قَلِيلٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْكُولٌ إلَى رَأْي الْإِمَامِ فِي اسْتِقْلَالِ عَدَدِهِمْ وَاسْتِكْثَارِهِ؛ لِأَنَّ نَصْبَ الْمَقَادِيرِ لَا يَكُونُ بِالرَّأْيِ وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُجْعَلَ مَوْكُولًا إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ.
وَإِذَا سَبَى الْجُنْدُ امْرَأَةً ثُمَّ سَبَوْا زَوْجَهَا بَعْدَهَا بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَقَدْ حَاضَتْ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ حَيْضَتَيْنِ أَوْ لَمْ تَحِضْ غَيْرَ أَنَّهُمْ لَمْ يُخْرِجُوهَا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى سَبَوْا زَوْجَهَا فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهَا وَأَيُّهُمَا سُبِيَ وَأُخْرِجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَام ثُمَّ سُبِيَ الْآخَرُ وَأُخْرِجَ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا فَصْلٌ بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْفُرْقَةِ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ لَا السَّبْيُ فَإِذَا انْعَدَمَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ كَانَا عَلَى نِكَاحِهِمَا سَوَاءٌ سُبِيَا مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ وَإِذَا أُخْرِجَ الْمَسْبِيُّ مِنْهُمَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وُجِدَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ بَيْنَهُمَا حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَارْتَفَعَ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ لَا يَعُودُ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ سُبِيَ الْآخَرُ مِنْهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute