الْقِسْمَةُ مِنْ الْإِمَامِ تَصِيرُ هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُشْتَرَاةِ لِأَنَّ مَنْ وَقَعَتْ فِي سَهْمِهِ يَمْلِكُ عَيْنَهَا بِالْقِسْمَةِ وَقَدْ تَمَّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ الْوَطْءُ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
وَإِذَا خَرَجَ الْقَوْمُ مِنْ مُسَلَّحَةٍ أَوْ عَسْكَرٍ فَأَصَابُوا غَنَائِمَ فَإِنَّهَا تُخَمَّسُ وَمَا بَقِيَ فَهُوَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ الْعَسْكَرِ سَوَاءٌ كَانَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ لَهُمْ مَنَعَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَسْكَرِ بِمَنْزِلَةِ الْمَدَدِ لِلْخَارِجِينَ فَإِنَّ الْمُصَابَ صَارَ مُحْرِزًا بِالدَّارِ بِقُوَّتِهِمْ جَمِيعًا إذْ هُمْ الرِّدْءُ لَهُمْ يَسْتَنْصِرُونَهُمْ إذَا حَزَبَهُمْ أَمْرٌ لِأَنَّهُمْ دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ لِيَنْصُرَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَالْإِمَامُ أَذِنَ لَهُمْ فِي أَنْ يَأْخُذُوا مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُ أَدْخَلَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِهَذَا فَلَا حَاجَةَ إلَى إذْنٍ جَدِيدٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إنْ بَعَثَ الْإِمَامُ رَجُلًا طَلِيعَةً فَأَصَابَ ذَلِكَ لِأَنَّ أَهْلَ الْعَسْكَرِ رِدْءٌ لَهُ وَإِنْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ مَدِينَةٍ عَظِيمَةٍ مِثْلَ الْمِصِّيصَةِ وَمَلَطْيَةَ بَعَثَهُمْ الْإِمَامُ سَرِيَّةً مِنْهَا فَأَصَابُوا غَنَائِمَ لَمْ يُشْرِكْهُمْ فِيهَا أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُمْ سَاكِنُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُونَ رِدْءًا لِلْمُقَاتِلِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهَذَا لِأَنَّ تَوَطُّنَهُمْ عَلَى قَصْدِ الْمَقَامِ فِي أَهَالِيِهِمْ بِخِلَافِ أَهْلِ الْعَسْكَرِ فَإِنَّ تَوَطُّنَهُمْ فِي الْعَسْكَرِ لِلْقِتَالِ فَكَانُوا بِمَنْزِلَةِ الرِّدْءِ لِلسَّرِيَّةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ نَوَى مِنْهُمْ الْإِقَامَةَ فِي الْعَسْكَرِ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ بِخِلَافِ سَاكِنِ الْمَدِينَةِ وَلِأَنَّ الْإِحْرَازَ هَهُنَا حَصَلَ بِالسَّرِيَّةِ خَاصَّةً وَهُنَاكَ الْإِحْرَازُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ حَصَلَ بِالسَّرِيَّةِ وَالْجَيْشِ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يَقَعُ الْفَرْقُ ثُمَّ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ مِصْرَ مِنْ أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ إمَّا أَنْ يَكُونُوا قَوْمًا لَهُمْ مَنْعَةٌ أَوْ لَا مَنْعَةَ لَهُمْ خَرَجُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ مَنْعَةٌ فَسَوَاءٌ خَرَجُوا بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَإِنَّ مَا أَصَابُوهُ غَنِيمَةً حَتَّى يُخَمَّسَ وَيَقْسِمَ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمْ عَلَى سِهَامِ الْفُرْسَانِ وَالرَّجَّالَةِ الْمُصِيبُ وَغَيْرُ الْمُصِيبِ فِيهِ سَوَاءٌ لِأَنَّ دُخُولَهُمْ لَا يَخْفَى عَلَى الْإِمَامِ عَادَةً وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْصُرَهُمْ وَيَمُدَّهُمْ فَإِنَّهُمْ لَوْ أُصِيبُوا مَعَ مَنْعَتِهِمْ كَانَ فِيهِ وَهْنًا بِالْمُسْلِمِينَ وَيَجْتَرِئُ عَلَيْهِمْ الْمُشْرِكُونَ فَإِذَا كَانَ عَلَى الْإِمَامِ نُصْرَتُهُمْ كَانُوا بِمَنْزِلَةِ الدَّاخِلِينَ بِإِذْنِهِ وَلِأَنَّ الْغَنِيمَةَ اسْمٌ لِمَا أُصِيبَ بِطَرِيقٍ فِيهِ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازُ دِينِهِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ هَهُنَا لِأَنَّ الْمُصِيبِينَ أَهْلُ مَنْعَةٍ يَفْعَلُونَ مَا يَفْعَلُونَ جَهَارًا فَأَمَّا إذَا كَانُوا قَوْمًا لَا مَنْعَةَ لَهُمْ كَالْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ دُخُولُهُمَا بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِأَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَنْصُرَهُ وَيَمُدَّهُ إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَا يَأْذَنُ لِلْوَاحِدِ فِي الدُّخُولِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ قُوَّتَهُ عَلَى مَا بَعَثَهُ لِأَجْلِهِ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ الْوَاحِدُ سَرِيَّةً عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «بَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَرِيَّةً وَحْدَهُ» «وَبَعَثَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute