خَيْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ بِهَذِهِ الْمُوَادَعَةِ لَا يَلْتَزِمُونَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَخْرُجُونَ مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ حَرْبٍ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ تَرْكَ الْقِتَالِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ مَنْفَعَةً فِي ذَلِكَ فَصَالَحَهُمْ، فَإِنْ كَانَ قَدْ أَحَاطَ مَعَ الْجَيْشِ بِبِلَادِهِمْ فَمَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ يَكُونُ غَنِيمَةً يُخَمِّسُهَا، وَيُقَسِّمُ مَا بَقِيَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُ تَوَصَّلَ إلَيْهَا بِقُوَّةِ الْجَيْشِ فَهُوَ كَمَا لَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ بِالْفَتْحِ، فَإِنْ لَمْ يَنْزِلْ مَعَ الْجَيْشِ بِسَاحَتِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ أَرْسَلُوا إلَيْهِ، وَادَعُوهُ عَلَى هَذَا فَمَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ، بِمَنْزِلَةِ الْجِزْيَةِ لَا خُمُسَ فِيهَا بَلْ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ، وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى أَنْ يُؤَدُّوا إلَيْهِمْ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ رَأْسٍ، فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمِائَةُ الرَّأْسُ يُؤَدُّونَهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ لَمْ يَصِحَّ هَذَا لِأَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ عَلَى جَمَاعَتِهِمْ فَكَانُوا جَمِيعًا مُسْتَأْمَنِينَ، وَاسْتِرْقَاقُ الْمُسْتَأْمَنِ لَا يَجُوزُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَوْ بَاعَ ابْنَهُ بَعْدَ هَذَا الصُّلْحِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُ شَيْءٍ مِنْ نُفُوسِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ بِحُكْمِ تِلْكَ الْمُوَادَعَةِ؛ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُمْ تَأَكَّدَتْ بِهَا.
وَإِنْ صَالَحُوهُمْ عَلَى مِائَةِ رَأْسٍ بِأَعْيَانِهِمْ أَوَّلَ السَّنَةِ، وَقَالُوا أَمِّنُونَا عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ لَكُمْ، وَنُصَالِحُكُمْ ثَلَاثَ سِنِينَ مُسْتَقْبَلَةً عَلَى أَنْ نُعْطِيَكُمْ كُلَّ سَنَةٍ مِائَةَ رَأْسٍ مِنْ رَقِيقِنَا فَهَذَا جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْمُعَيَّنِينَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى لَا تَتَنَاوَلُهُمْ الْمُوَادَعَةُ، وَبِاعْتِبَارِهِ يَثْبُتُ الْأَمَانُ فَإِذَا جَعَلُوهُمْ مُسْتَثْنِينَ مِنْ الْمُوَادَعَةِ بِجَعْلِهِمْ إيَّاهُمْ عِوَضًا لِلْمُسْلِمِينَ صَارُوا مَمَالِيكَ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْمُوَادَعَةِ ثُمَّ شَرَطُوا فِي السِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ مِائَةَ رَأْسٍ مِنْ رَقِيقِهِمْ فِي كُلِّ سَنَةٍ، وَرَقِيقُهُمْ قَابِلٌ لِلْمِلْكِ وَالتَّمَلُّكِ بِالْبَيْعِ فَكَذَا بِالْمُوَادَعَةِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي نَفْسِهَا، وَاشْتِرَاطُ الْحَيَوَانِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَمَّا لَيْسَ بِمَالٍ صَحِيحٌ إذَا كَانَ مَعْلُومَ الْجِنْسِ كَمَا فِي النِّكَاحِ، وَالْخُلْعِ، وَإِذَا وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى هَذَا ثُمَّ سَرَقَ مِنْهُ مُسْلِمٌ شَيْئًا لَمْ يَصِحَّ شِرَاءُ ذَلِكَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُمْ اسْتَفَادُوا الْأَمَانَ فِي أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَمَالُ الْمُسْتَأْمَنِ لَا يُمْلَكُ بِالسَّرِقَةِ، وَإِذَا لَمْ يَمْلِكْهُ السَّارِقُ لَمْ يَحِلَّ شِرَاؤُهُ مِنْهُ، وَلِأَنَّ مَا صَنَعَهُ غَدْرٌ يُؤَدِّبُهُ الْإِمَامُ عَلَى ذَلِكَ إذَا عَلِمَهُ مِنْهُ، وَفِي الشِّرَاءِ مِنْهُ إغْرَاءٌ لَهُ هَذَا الْغَدْرُ، وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ، فَإِنَّ أَغَارَ عَلَيْهِمْ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ جَازَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُمْ مَا أَخَذُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَرَقِيقِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ تَمَلَّكُوهَا عَلَيْهِمْ بِالْإِحْرَازِ، وَلَوْ تَمَلَّكُوا ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ جَازَ شِرَاؤُهَا مِنْهُمْ فَمِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْلَى، ثُمَّ لَا يُرَدُّ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مَجَّانًا، وَلَا بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُمْ بِالْمُوَادَعَةِ مَا خَرَجُوا مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَهْلَ حَرْبٍ حِينَ لَمْ يَنْقَادُوا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الْقِيَامُ بِنُصْرَتِهِمْ، وَبِهِ فَارَقَ مَالَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَهْلَ الذِّمَّةِ، وَلَا يَمْنَعُ التُّجَّارَ مِنْ حَمْلِ التِّجَارَاتِ إلَيْهِمْ إلَّا الْكُرَاعَ، وَالسِّلَاحَ، وَالْحَدِيدَ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ حَرْبٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute