للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ مَعْنَى الْقُوَّةِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَسْلِحَةِ، فَإِنَّمَا قَصَدَ بِمَا صَنَعَ أَنْ يَزْدَادَ قُوَّةً عَلَيْنَا، وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكْثُرُ فِيهِمْ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَسْلِحَةِ، وَيَعِزُّ نَوْعٌ آخَرُ خَيْرٌ فَيَقْصِدُونَ تَحْصِيلَ ذَلِكَ لَهُمْ بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَبْدَلَ بِسَيْفِهِ سَيْفًا آخَرَ خَيْرًا مِنْهُ؛ لِأَنَّ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ يَزْدَادُونَ قُوَّةً، وَلَمْ يَكُنْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ حِينَ أَمَّنَّاهُ فَيُمْنَعُ مِنْ تَحْصِيلِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ، وَلَا يُمْكِنُ مَنْعُهُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِأَنْ يُمْنَعَ مِنْ إدْخَالِهِ هَذَا السَّيْفَ بِأَصْلِهِ دَارَهُمْ، وَإِنْ كَانَ هَذَا السَّيْفُ مِثْلَ الْأَوَّلِ أَوْ شَرًّا مِنْهُ لَمْ يُمْنَعْ أَنْ يَدْخُلَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْأَوَّلِ إذْ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةُ قُوَّةٍ لَهُمْ، وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَاحِدٌ فَكَمَا لَوْ أَعَادَ الْأَوَّلَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ فَكَذَلِكَ إذَا أَعَادَ مِثْلَهُ، وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِمَا شَاءَ مِنْ الْأَمْتِعَةِ سِوَى مَا ذَكَرْنَا كَمَا لِلتَّاجِرِ الْمُسْلِمِ أَنْ يَحْمِلَ إلَيْهِمْ مَا شَاءَ مِنْ سَائِرِ الْأَمْتِعَةِ لِلتِّجَارَةِ وَلِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلٌ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُمْ يَزْدَادُونَ قُوَّةً بِمَا يَحْمِلُ طَعَامًا كَانَ أَوْ ثِيَابًا أَوْ سِلَاحًا، وَلَكِنَّا نَسْتَدِلُّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْدَى إلَى أَبِي سُفْيَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تَمْرَ عَجْوَةٍ حِينَ كَانَ بِمَكَّةَ حَرْبِيًّا، وَاسْتَهْدَاهُ أَدَمًا» «، وَبَعَثَ بِخَمْسِمِائَةِ دِينَارٍ إلَى أَهْلِ مَكَّةَ حِينَ قَحَطُوا لِتُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُحْتَاجِينَ مِنْهُمْ»، وَلِأَنَّ بَعْضَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْأَدْوِيَةِ وَغَيْرِهَا يُحْمَلُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، فَإِذَا مَنَعْنَا تُجَّارَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَنْ يَحْمِلُوا إلَيْهِمْ مَا سِوَى السِّلَاحِ فَهُمْ يَمْنَعُونَ ذَلِكَ أَيْضًا، وَفِيهِ مِنْ الضَّرَرِ مَا لَا يَخْفَى.

وَإِذَا بَعَثَ الْحَرْبِيُّ عَبْدًا لَهُ تَاجِرًا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ بِأَمَانٍ فَأَسْلَمَ الْعَبْدُ فِيهَا بِيعَ، وَكَانَ ثَمَنُهُ لِلْحَرْبِيِّ؛ لِأَنَّ الْأَمَانَ يَثْبُتُ لَهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَبْدِ حِينَ خَرَجَ الْعَبْدُ بِأَمَانٍ مُنْقَادًا لَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى مَعَهُ فَأَسْلَمَ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهِ، وَكَانَ ثَمَنُهُ لَهُ فَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مَعَهُ، قُلْنَا: يُبَاعُ لِإِزَالَةِ ذُلِّ الْكُفْرِ عَنْ الْمُسْلِمِ، وَيَكُونُ ثَمَنُهُ لِلْحَرْبِيِّ لِلْأَمَانِ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَالِيَّةِ.

وَإِذَا وُجِدَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ أَنَا رَسُولٌ، فَإِنْ أَخْرَجَ كِتَابًا عُرِفَ أَنَّهُ كِتَابُ مَلِكِهِمْ كَانَ آمِنًا حَتَّى يُبَلِّغَ رِسَالَتَهُ وَيَرْجِعَ؛ لِأَنَّ الرُّسُلَ لَمْ تَزَلْ آمِنَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَهَذَا لِأَنَّ أَمْرَ الْقِتَالِ أَوْ الصُّلْحِ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالرُّسُلِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمَانِ الرُّسُلِ لِيُتَوَصَّلَ إلَى مَا هُوَ الْمَقْصُودُ «، وَلَمَّا تَكَلَّمَ رَسُولٌ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَا كَرِهَهُ قَالَ لَوْلَا أَنَّكَ رَسُولٌ لَقَتَلْتُكَ»، وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّ الرَّسُولَ آمِنٌ ثُمَّ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ رَسُولٌ فَلَوْ كَلَّفْنَاهُ ذَلِكَ أَدَّى إلَى الضِّيقِ وَالْحَرَجِ، وَهَذَا مَدْفُوعٌ فَلِهَذَا يُكْتَفَى بِالْعَلَامَةِ، وَالْعَلَامَةُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ كِتَابٌ يُعْرَفُ أَنَّهُ كِتَابُ مَلِكِهِمْ فَإِذَا أَخْرَجَ ذَلِكَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ صَادِقٌ، وَالْبِنَاءُ عَلَى الظَّاهِرِ وَاجِبٌ فِيمَا لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ كِتَابًا أَوْ أَخْرَجَ، وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ كِتَابُ مَلِكِهِمْ فَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>