يُتَصَوَّرُ فَيُجْعَلُ الْحَادِثُ كَالْمَوْجُودِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّبَبِ، وَكَذَلِكَ إنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ قَسَّمَ الْإِمَامُ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، وَكَانَ لِحَاقُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَبْقَى مَالُهُ بَعْدَ لِحَاقِهِ مَوْقُوفًا كَمَا كَانَ قَبْلَ لِحَاقِهِ؛ لِأَنَّ ذَهَابَهُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ نَوْعُ غِيبَةٍ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ حُكْمُ مَالِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مُتَرَدِّدًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ: إنَّهُ صَارَ حَرْبِيًّا حَقِيقَةً وَحُكْمًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ حَيَاةَ نَفْسِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ حِينَ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ حَرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَالْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَالْمَيِّتِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام: ١٢٢]، وَقَدْ قَرَّرْنَا هَذَا فِي النِّكَاحِ فِي مَسْأَلَةِ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ يَدِ الْإِمَامِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِهِ لِمَوْتِهِ حَقِيقَةً بِأَنْ يَقْتُلَهُ وَيُقَسِّمَ مَالَهُ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ بِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِهِ مَوَّتَهُ حُكْمًا فَيُقَسِّمُ مَالَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ، وَحَكَمَ بِعِتْقِ أُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَمُدَبِّرِيهِ وَبِحُلُولِ آجَالِهِ ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يُعْتَبَرُ مَنْ يَكُونُ وَارِثًا لَهُ وَقْتَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَقْتَ لِحَاقِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ عِنْدَهُمَا مِلْكَهُ لَا يَزُولُ بِالرِّدَّةِ، وَلِهَذَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُرْتَدِّ عِنْدَهُمَا عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، فَإِنَّمَا زَوَالُ مِلْكِهِ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ عِنْدَ لِحَاقِهِ فَيُعْتَبَرُ وَارِثُهُ عِنْدَ ذَلِكَ، وَلِحَاقُهُ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ فَهُوَ كَالْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ بِالْقَتْلِ، وَلَكِنْ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: اللِّحَاقُ فِي الْحَقِيقَةِ غِيبَةٌ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَوْتًا حُكْمًا بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَيُعْتَبَرُ مَنْ يَكُونُ وَارِثًا لَهُ عِنْدَ الْقَضَاءِ بِاللِّحَاقِ فِي اسْتِحْقَاقِ مَالِهِ، وَكَذَلِكَ تَرِثُ مِنْهُ امْرَأَتُهُ إنْ كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ ارْتَفَعَ بِنَفْسِ الرِّدَّةِ لَكِنَّهُ فَارٌّ عَنْ مِيرَاثِهَا.
وَامْرَأَةُ الْفَارِّ تَرِثُ إذَا كَانَتْ فِي الْعِدَّةِ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَعَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ تَرِثُ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْقَضِيَةَ الْعِدَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ السَّبَبَ التَّوْرِيثُ كَانَ مَوْجُودًا فِي حَقِّهَا عِنْدَ رِدَّتِهِ، وَعَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ إنَّمَا يُعْتَبَرُ قِيَامُ السَّبَبِ عِنْدَ أَوَّلِ الرِّدَّةِ، وَتَبْطُلُ وَصَايَاهُ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْوَصَايَا لِحَقِّ الْمُوصِي، وَلَمْ يَبْقَ لَهُ حَقٌّ بَعْدَ مَا قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَهَذَا بِخِلَافِ التَّدْبِيرِ، فَإِنَّ حَقَّ الْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ بِالتَّدْبِيرِ قَدْ ثَبَتَ لَلْمُدَبَّرِ فَيَكُونُ عِتْقُهُ كَعِتْقِ أُمِّ الْوَلَدِ أَوْ حَقُّهُ كَحَقِّ أَصْحَابِ الدُّيُونِ، وَفِي الْكِتَابِ يَقُولُ: رِدَّتُهُ كَرُجُوعِهِ عَنْ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ بِالرِّدَّةِ يَبْطُلُ حَقُّهُ، وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ كَانَ لِحَقِّهِ فَرُجُوعُهُ يَعْمَلُ فِي إبْطَالِ وَصَايَاهُ، وَلَا يَعْمَلُ فِي إبْطَالِ تَدْبِيرِهِ فَكَذَلِكَ رِدَّتُهُ، وَهُوَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مَا دَامَ الْمُرْتَدُّ مُقِيمًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا فَبِمَوْتِهِ بِالْقَتْلِ حَقِيقَةً إنْ لَمْ يُسْلِمْ أَوَّلًا ثُمَّ يُقَسِّمُ مَالَهُ، وَإِنَّ فَعَلَ ذَلِكَ بَعْدَ لِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ رَجَعَ تَائِبًا قَدْ مَضَى جَمِيعُ مَا فَعَلَهُ الْإِمَامُ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ مِلْكِهِ بِعَيْنِهِ فِي يَدِ وَارِثِهِ أَخَذَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute