للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِذَا أَسْلَمَ زَالَ التَّوَقُّفُ فَصَارَ مَا اعْتَرَضَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فَقَدْ تَمَّ زَوَالُ مِلْكِهِ هُنَاكَ، وَاعْتِبَارُ الْجِنَايَةِ كَانَ لِمِلْكِهِ يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ فِي الْمَمَالِيكِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَمْلُوكِيَّةِ، وَلِهَذَا يَجِبُ الضَّمَانُ لِتَمَكُّنِ النُّقْصَانِ فِي الْمَالِيَّةِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَقَدْ انْعَدَمَ ذَلِكَ بِالْعِتْقِ أَصْلًا، وَبِالْبَيْعِ فِي حَقِّ مَنْ كَانَ مُسْتَحِقًّا لَهُ، فَأَمَّا وُجُوبُ ضَمَانِ الْجُزْءِ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِيَّةِ، وَلَا يَنْعَدِمُ بِالرِّدَّةِ، وَلَكِنَّ الْعِصْمَةَ شَرْطٌ، فَإِنَّمَا يُرَاعَى وُجُودُهُ عِنْدَ ابْتِدَاءِ السَّبَبِ لِيَنْعَقِدَ مُوجِبًا، وَعِنْدَ تَقَرُّرِهِ بِالْمَوْتِ لِتَقَرُّرِ الْحُكْمِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ بَقَاءُ الْعِصْمَةِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ يَعْتِقُ لِهَذَا الْمَعْنَى، فَأَمَّا إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى بِلِحَاقِهِ فَقَدْ صَارَ مَيِّتًا حُكْمًا، وَبَقَاءُ حُكْمِ الْجِنَايَةِ بِاعْتِبَارِ بَقَاءِ النَّفْسِيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَ مَوْتِهِ حُكْمًا إذْ لَا تَصَوُّرَ لِبَقَاءِ الْحُكْمِ بِدُونِ الْمَحَلِّ، وَإِذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِلِحَاقِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ سَلَّمَ وَقَالَ: بِنَفْسِ اللِّحَاقِ صَارَ حَرْبِيًّا، وَالْحَرْبِيُّ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ كَالْمَيِّتِ، وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ امْرَأَةٌ تُسْتَرَقُّ كَسَائِرِ الْحَرْبِيَّاتِ فَيَتِمُّ بِهِ انْقِطَاعُ حُكْمِ السِّرَايَةِ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ لِحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الرِّدَّةَ عَارِضٌ، فَإِذَا زَالَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ كَالْعَصِيرِ الْمُشْتَرَى إذَا تَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ تَخَلَّلَ بَقِيَ الْعَقْدُ صَحِيحًا، وَلَا يُعْتَبَرُ زَوَالُهُ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ كَمَا فِي الْعَصِيرِ إذَا تَخَمَّرَ، فَقَضَى الْقَاضِي بِفَسْخِ الْعَقْدِ ثُمَّ تَخَلَّلَ، وَبِاللِّحَاقِ قَدْ تَقَرَّرَ خُصُوصًا إذَا قَضَى بِهِ الْقَاضِي فَلَا يُعْتَبَرُ زَوَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ اللِّحَاقِ.

وَإِنَّ كَانَ الْقَاطِعُ هُوَ الَّذِي ارْتَدَّ فَقُتِلَ، وَمَاتَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ مِنْ ذَلِكَ مُسْلِمًا، فَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْعَمْدِ الْقَوَدُ، وَقَدْ فَاتَ مَحَلُّهُ حِينَ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ دِيَةُ النَّفْسِ؛ لِأَنَّهُ عِنْدَ الْجِنَايَةِ كَانَ مُسْلِمًا، وَجِنَايَةُ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَتْ خَطَأً عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَتَبَيَّنَ بِالسِّرَايَةِ أَنَّ جِنَايَتَهُ كَانَتْ قَتْلًا فَلِهَذَا كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ النَّفْسِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ فِي مَالِهِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَعْقِلُ جِنَايَتَهُ أَحَدٌ.

وَلَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ، وَلَكِنَّهَا تُحْبَسُ، وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُقْتَلُ إنْ لَمْ تُسْلِمْ، وَهَكَذَا كَانَ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الِابْتِدَاءِ ثُمَّ رَجَعَ أَنَّهُ الْحَسَنُ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهَا تَخْرُجُ فِي كُلِّ قَلِيلٍ، وَتُعَذَّرُ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ سَوْطًا ثُمَّ تُعَادُ إلَى الْحَبْسِ إلَى أَنْ تَتُوبَ أَوْ تَمُوتَ، وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»، وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>