للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ مَا كَانَ مُسْلِمًا بِنَفْسِهِ، وَإِنَّمَا ثَبَتَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّهِ تَبَعًا فَهُوَ وَالْمَوْلُودُ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ رِدَّتِهِمَا سَوَاءٌ، وَهُمَا يَقُولَانِ قَدْ كَانَ هَذَا الْوَلَدُ مَحْكُومًا بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ أَوْ لِدَارِ الْإِسْلَامِ، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ أَبَاهُ فِي الدِّينِ فَإِذَا كَانَ الْأَبُ مُسْلِمًا فِي وَقْتٍ يَثْبُتُ لِوَلَدِهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ، فَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وُلِدَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بَعْدَ رِدَّتِهِمَا؛ لِأَنَّ هَذَا الْوَلَدَ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا قَطُّ.

وَإِذَا نَقَضَ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْعَهْدَ، وَغَلَبُوا عَلَى مَدِينَةٍ فَالْحُكْمُ فِيهَا كَالْحُكْمِ فِي الْمُرْتَدِّينَ إلَّا أَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَرِقَّ رِجَالَهُمْ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ فِي الْأَصْلِ، وَإِنَّمَا كَانُوا لَا يُسْتَرَقُّونَ لِكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا، وَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ حِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ، وَصَارَتْ دَارُهُمْ دَارَ الْحَرْبِ، فَأَمَّا الْمُرْتَدُّونَ كَانُوا مُسْلِمِينَ فِي الْأَصْلِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا السَّيْفُ أَوْ الْإِسْلَامُ، وَكَذَلِكَ إنْ رَجَعَ الَّذِينَ كَانَ نَقَضُوا الْعَهْدَ إلَى الصُّلْحِ وَالذِّمَّةِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَقَضُوا الْعَهْدَ الْتَحَقُوا بِالْحَرْبِيِّينَ، وَأَهْلُ الْحَرْبِ إذَا انْقَادُوا لِلذِّمَّةِ قُبِلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّينَ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ جَازَ اسْتِرْقَاقُهُ جَازَ إبْقَاؤُهُ عَلَى الْكُفْرِ بِالْجِزْيَةِ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ يَنْتَهِي بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الطَّرِيقِينَ، وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ إذَا عَادُوا إلَى الذِّمَّةِ أَخَذُوا بِالْحُقُوقِ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ نَقْضِ الذِّمَّةِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقِصَاصِ وَالْمَالِ لِبَقَاءِ نُفُوسِهِمْ وَذِمَمِهِمْ عَلَى مَا كَانَتْ قَبْلَ نَقْضِ الْعَهْدِ، وَنَقْضُ الْعَهْدِ كَانَ عَارِضًا، فَإِذَا انْعَدَمَ صَارَ كَأَنَّ لَمْ يَكُنْ، وَلَمْ يُؤْخَذُوا بِمَا أَصَابُوا فِي الْمُحَارَبَةِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ حَرْبٍ حِينَ بَاشَرُوا السَّبَبَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ أَهْلَ الْحَرْبِ لَا يَضْمَنُونَ مَا أَتْلَفُوا مِنْ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ فِي حَالِ حَرْبِهِمْ إذَا تَرَكُوا الْمُحَارَبَةَ بِالْإِسْلَامِ أَوْ الذِّمَّةِ، وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّونَ فِي هَذَا هُمْ بِمَنْزِلَةِ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ عُقُوبَةٌ ثَابِتَةٌ لِحَقِّ الْمُسْلِمِ وَالرِّدَّةِ، وَنَقْضُ الْعَهْدِ لَا يُنَافِيهِمَا، وَإِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهَا لِقُصُورِ يَدِ صَاحِبِ الْحَقِّ عَمَّنْ عَلَيْهِ، وَالْمَالُ كَذَلِكَ، فَإِذَا تَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ.

وَإِذَا نَقَضَ الذِّمِّيُّ الْعَهْدَ مَعَ امْرَأَتِهِ، وَلَحِقَا بِأَرْضِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَا عَلَى الذِّمَّةِ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَبَايَنْ بِهِمَا دِينٌ وَلَا دَارٌ، وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُسْلِمَانِ ثُمَّ أَسْلَمَا كَانَا عَلَى نِكَاحِهِمَا فَالذِّمِّيَّانِ أَوْلَى بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ خَلَّفَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ امْرَأَةً ذِمِّيَّةً بَانَتْ مِنْهُ بِتَبَايُنِ الدَّارِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَاَلَّتِي بَقِيَتْ فِي دَارِنَا مِنْ أَهْلِ دَارِنَا.

وَكَذَلِكَ الْمُرْتَدُّ إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَخَلَّفَ امْرَأَتَهُ الْمُرْتَدَّةَ مَعَهُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ انْقَطَعَتْ الْعِصْمَةُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا، وَإِنْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً فَقَدْ تَبَايَنَتْ بَيْنَهُمَا الدَّارُ حَقِيقَةً، وَذَلِكَ قَاطِعٌ لِلْعِصْمَةِ بَيْنَهُمَا.

وَإِذَا مَنَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>