للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ حُكْمُ أَهْلِ الشِّرْكِ هُوَ الظَّاهِرُ.

وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَعِينَ أَهْلُ الْعَدْلِ بِقَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْخَوَارِجِ إذَا كَانَ حُكْمُ أَهْلِ الْعَدْلِ ظَاهِرًا؛ لِأَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ لِإِعْزَازِ الدِّينِ، وَالِاسْتِعَانَةُ عَلَيْهِمْ بِقَوْمٍ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ كَالِاسْتِعَانَةِ عَلَيْهِمْ بِالْكِلَابِ.

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الْبَغْيِ مَنَعَةٌ، وَإِنَّمَا خَرَجَ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ مِصْرٍ عَلَى تَأْوِيلٍ يُقَاتِلَانِ ثُمَّ يَسْتَأْمِنَانِ أُخِذَا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ؛ لِأَنَّهُمَا بِمَنْزِلَةِ اللُّصُوصِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّأْوِيلَ إذَا تَجَرَّدَ عَنْ الْمَنَعَةِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا لِبَقَاءِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ بِالْمُحَاجَّةِ، وَالدَّلِيلُ أَنَّهُمَا مُعْتَقِدَانِ الْإِسْلَامَ فَيَكُونَانِ كَاللِّصَّيْنِ فِي جَمِيعِ مَا أَصَابَا.

وَإِذَا اشْتَدَّ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ فِي الْمِصْرِ بِعَصَا أَوْ حَجَرٍ فَقَتَلَهُ الْمَشْدُودُ عَلَيْهِ بِحَدِيدَةٍ قُتِلَ بِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى: إذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ لَوْ قَتَلَهُ بِهِ قَتَلَهُ فَقَتَلَهُ الْمَشْدُودُ عَلَيْهِ فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْبَنِي عَلَى مَسْأَلَةِ كِتَابِ الدِّيَاتِ أَنَّ الْقَتْلَ بِالْحَجَرِ وَالْعَصَا لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَعِنْدَهُمَا مَا لَا يَثْبُتُ مِنْ الْحَجَرِ الْكَبِيرِ وَالْعَصَا بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ فِي أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ بِهِ، بِخِلَافِ الْعَصَا الصَّغِيرِ، ثُمَّ الْمَشْدُودُ عَلَيْهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ شَرِّ الْقَتْلِ عَنْ نَفْسِهِ إذَا صَارَ مَقْصُودًا بِالْقَتْلِ، وَإِقْدَامُهُ عَلَى مَا هُوَ مُبَاحٌ لَهُ أَوْ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ شَرْعًا لَا يُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا، فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُمَا الْحَجَرُ الْكَبِيرُ كَالسِّلَاحِ فَنَقُولُ: الشَّادُّ لَوْ حَقَّقَ مَقْصُودَهُ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، فَبِمُجَرَّدِ قَصْدِهِ يُهْدَرُ دَمُهُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَدَرَ الدَّمِ وَابَاحَةَ الْقَتْلِ بِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ أَسْرَعُ ثُبُوتًا حَتَّى كَانَ لِلِابْنِ أَنْ يَقْتُلَ أَبَاهُ إذَا قَصَدَهُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَإِنْ كَانَ لَوْ حَقَّقَ مَقْصُودَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَوَدُ، وَكَذَلِكَ الصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ إذَا قَصَدَ قَتْلَ إنْسَانٍ بِالسِّلَاحِ يُبَاحُ قَتْلُهُ دَفْعًا، وَإِنْ كَانَ لَوْ حَقَّقَ مَقْصُودَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ، ثُمَّ مَا لَا يَثْبُتُ عِنْدَهُمَا آلَةَ الْقَتْلِ كَالسِّلَاحِ، فَالْمَقْصُودُ بِالْقَتْلِ دَفْعُ شَرِّ الْقَتْلِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْعَصَا وَالْحَجَرُ لَيْسَ بِآلَةِ الْقَتْلِ فَهُوَ لَا يَدْفَعُ الْقَتْلَ عَنْ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُ الْأَذَى عَنْ نَفْسِهِ، وَبِالْحَاجَةِ إلَى دَفْعِ الْأَذَى لَا يُبَاحُ لَهُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقَتْلِ، وَلِأَنَّ الشَّادَّ لَوْ حَقَّقَ مَقْصُودَهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ، فَبِمُجَرَّدِ الْقَصْدِ أَيْضًا لَا يُهْدَرُ دَمُهُ.

(فَإِنْ قِيلَ) إنْ كَانَ لَا يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ جِهَةِ الْقَتْلِ بِخِلَافِ الْجُرْحِ، وَحُرْمَةُ أَطْرَافِهِ لَا تَكُونُ دُونَ حُرْمَةِ مَالِهِ، وَلَوْ قَصَدَ مَالَهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ دَفْعًا فَهُنَا أَوْلَى. (قُلْنَا) بِنَاءُ هَذَا الْحُكْمُ عَلَى قَصْدِهِ، وَقَصْدُهُ هَهُنَا النَّفْسُ لَا الطَّرَفُ، وَالْمَشْدُودُ عَلَيْهِ لَا يَخَافُ الْقَتْلَ مِنْ جِهَةٍ؛ لِأَنَّهُ فِي الْمِصْرِ بِالنَّهَارِ فَيَلْحَقُهُ الْغَوْثُ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى نَفْسِهِ، فَلِهَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>