الْجُرْحِ السَّائِلِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَاحِبِ بَدَلٍ صَحِيحٍ، وَلِأَنَّ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ تَقَارُبًا فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَجُوزَ الْقُعُودُ فِي التَّطَوُّعِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَهَذَا لِأَنَّ الْقَائِمَ كِلَا الْجَانِبَيْنِ مِنْهُ مُسْتَوٍ، فَالْقَاعِدُ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ مِنْهُ مُنْثَنٍ فَكَانَ بَيْنَهُمَا تَقَارُبٌ، فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ كَاقْتِدَاءِ الْقَائِمِ بِالرَّاكِعِ، وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ مُضْطَجِعًا وَالْمُقْتَدِي يُصَلِّي بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - هُوَ يَقُولُ: كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤَدٍّ مَا هُوَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِصِفَةِ الصِّحَّةِ فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ، نَظِيرُهُ اقْتِدَاءُ الْمُتَوَضِّئِ بِالْمُتَيَمِّمِ وَالْغَاسِلِ بِالْمَاسِحِ، وَلَكِنَّا نَقُولُ بِأَنَّ حَالَ الْمُقْتَدِي فَوْقَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالْإِيمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ، وَلِأَنَّ الْإِيمَاءَ لَيْسَ بِبَدَلٍ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهُ بَعْضُهُ فَلَوْ قُلْنَا بِأَنَّهُ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ يَكُونُ هَذَا اقْتِدَاءً بِالْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ، فَإِنَّ التَّيَمُّمَ بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ، وَالْمَسْحُ بَدَلٌ عَنْ الْغَسْلِ فَيَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ.
فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي قَاعِدًا بِالْإِيمَاءِ وَالْمَأْمُومُ يُصَلِّي قَائِمًا بِالْإِيمَاءِ يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقِيَامَ لَيْسَ بِرُكْنٍ حَتَّى كَانَ الْأَوْلَى تَرْكُهُ فَيُجْعَلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ، وَلَوْ كَانَ مَعْدُومًا أَصْلًا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا اقْتِدَاءُ الْقَاعِدِ بِالْقَاعِدِ فَكَذَلِكَ هُنَا.
فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ مُضْطَجِعًا وَالْمُقْتَدِي يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ فَوْقَ حَالِ الْإِمَامِ فَيَمْنَعُ صِحَّةَ الِاقْتِدَاءِ.
قَالَ: (فَإِنْ نُزِعَ الْمَاءُ مِنْ عَيْنَيْهِ وَأُمِرَ بِأَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ أَيَّامًا وَنُهِيَ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ، لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْإِيمَاءِ مُضْطَجِعًا عِنْدَ عُلَمَائِنَا) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ لَهُ طَبِيبٌ بَعْدَمَا كُفَّ بَصَرُهُ: لَوْ صَبَرْتَ أَيَّامًا مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاكَ لَصَحَّتْ عَيْنَاكَ فَشَاوَرَ فِي ذَلِكَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَالصَّحَابَةَ فَلَمْ يُرَخِّصُوا لَهُ فِي ذَلِكَ، وَقَالُوا لَهُ: أَرَأَيْتَ لَوْ مِتَّ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِصَلَاتِكَ فَلَوْ جَازَ ذَلِكَ لَجَوَّزُوا لَهُ إلَّا أَنَّ عُلَمَاءَنَا قَالُوا بِأَنَّ حُرْمَةَ الْأَعْضَاءِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ، ثُمَّ خَافَ الْهَلَاكَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ كَانَ مَعَهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ فَكَذَلِكَ هُنَا، وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قُلْنَا: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يُرَخِّصُوا لَهُ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ عِنْدَهُمْ صِدْقُ ذَلِكَ الطَّبِيبِ فِيمَا يَدَّعِي، فَلِهَذَا لَمْ يُرَخِّصُوا لَهُ.
قَالَ: (وَلَوْ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا صَلَّى إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مُتَعَمِّدًا لَا تَجُوزُ، وَإِنْ أَخْطَأَ تَجُوزُ) مَعْنَاهُ إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَتَحَرَّى إلَى جِهَةٍ وَصَلَّى إلَيْهَا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَخْطَأَ الْقِبْلَةَ تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ تَعَمَّدَ لَا تَجُوزُ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قِبْلَةُ الْمُتَحَرِّي جِهَةُ قَصْدِهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَرِيضَ إنَّمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute