للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مَا نَظَرَ إلَى عَوْرَتِهِ قَطُّ وَلَا مَسَّهَا بِيَمِينِهِ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي عَوْرَةِ نَفْسِهِ فَمَا ظَنُّك فِي عَوْرَةِ الْغَيْرِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَقُولُ: الْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي تَحْصِيلِ مَعْنَى اللَّذَّةِ

فَأَمَّا نَظَرُهُ إلَى ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ فَنَقُولُ: يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَوْضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} [النور: ٣١] الْآيَةُ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ عَيْنَ الزِّينَةِ فَإِنَّهَا تُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ وَيَرَاهَا الْأَجَانِبُ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَوْضِعُ الزِّينَةِ وَهِيَ الرَّأْسُ وَالشَّعْرُ وَالْعُنُقُ وَالصَّدْرُ وَالْعَضُدُ وَالسَّاعِدُ وَالْكَفُّ وَالسَّاقُ وَالرِّجْلُ وَالْوَجْهُ فَالرَّأْسُ مَوْضِعُ التَّاجِ وَالْإِكْلِيلِ وَالشَّعْرُ مَوْضِعُ الْقِصَاصِ وَالْعُنُقُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ وَالصَّدْرُ كَذَلِكَ فَالْقِلَادَةُ وَالْوِشَاحُ قَدْ يَنْتَهِي إلَى الصَّدْرِ وَالْأُذُنُ مَوْضِعُ الْقُرْطِ وَالْعَضُدُ مَوْضِعُ الدُّمْلُوجِ وَالسَّاعِدُ مَوْضِعُ السِّوَارِ وَالْكَفُّ مَوْضِعُ الْخَاتَمِ وَالْخِضَابِ وَالسَّاقُ مَوْضِعُ الْخَلْخَالِ وَالْقَدَمُ مَوْضِعُ الْخِضَابِ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - دَخَلَا عَلَى أُمِّ كُلْثُومٍ وَهِيَ تَمْتَشِطُ فَلَمْ تَسْتَتِرْ وَلِأَنَّ الْمَحَارِمَ يَدْخُلُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَلَا حِشْمَةٍ وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِهَا تَكُونُ فِي ثِيَابِ مِهْنَتِهَا عَادَةً وَلَا تَكُونُ مُسْتَتِرَةً فَلَوْ أَمَرَهَا بِالتَّسَتُّرِ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا أَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَكَمَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ يُبَاحُ الْمَسُّ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَبِّلُ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَيَقُولُ: أَجِدُ مِنْهَا رِيحَ الْجَنَّةِ وَكَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِهَا فَعَانَقَهَا وَقَبَّلَ رَأْسَهَا» وَقَبَّلَ أَبُو بَكْرٍ رَأْسَ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَبَّلَ رِجْلَ أُمِّهِ فَكَأَنَّمَا قَبَّلَ عَتَبَةَ الْجَنَّةِ» وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِتّ أَغْمِزُ رِجْلَ أُمِّي وَبَاتَ أَخِي أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَمَا أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ لَيْلَتِي بِلَيْلَتِهِ وَلَكِنْ إنَّمَا يُبَاحُ الْمَسُّ وَالنَّظَرُ إذَا كَانَ يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا فَأَمَّا إذَا كَانَ يَخَافُ الشَّهْوَةَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عَلَيْهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ النَّظَرَ عَنْ شَهْوَةٍ وَالْمَسَّ عَنْ شَهْوَةٍ نَوْعُ زِنًا وَحُرْمَةُ الزِّنَا بِذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أَغْلَظُ وَكَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعَرِّضَ نَفْسَهُ لِلْحَرَامِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُعَرِّضَهَا لِلْحَرَامِ فَإِذَا كَانَ يَخَافُ عَلَيْهَا فَلْيَجْتَنِبْ ذَلِكَ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى ظَهْرِهَا وَبَطْنِهَا وَلَا أَنْ يَمَسَّ ذَلِكَ مِنْهَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْقَدِيمِ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَجَعَلَ حَالَهُمَا كَحَالِ الْجِنْسِ فِي النَّظَرِ وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ فَإِنَّ حُكْمَ الظِّهَارِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي وَهُوَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْبِيهِ الْمُحَلَّلَةِ بِالْمُحَرَّمَةِ فَلَوْ كَانَ النَّظَرُ إلَى ظَهْرِ الْأُمِّ حَلَالًا لَهُ لَكَانَ هَذَا تَشْبِيهَ مُحَلَّلَةٍ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي الظَّهْرِ يَثْبُتُ فِي الْبَطْنِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْمَأْتَى وَإِلَى أَنْ يَكُونَ مُشْتَهًى مِنْهَا وَالْجَنْبَانِ كَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>