وَحَفْصَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَقَالَ لَهُمَا: احْتَجِبَا فَقَالَتَا: أَنَّهُ أَعْمَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: أَوَأَعْمَيَانِ أَنْتُمَا» وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَمَسَّ وَجْهَهَا وَلَا كَفَّهَا وَإِنْ كَانَ يَأْمَنُ الشَّهْوَةَ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ مَسَّ كَفَّ امْرَأَةٍ لَيْسَ مِنْهَا بِسَبِيلٍ وُضِعَ فِي كَفِّهِ جَمْرَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُفْصَلَ بَيْنَ الْخَلَائِقِ» وَلِأَنَّ حُكْمَ الْمَسِّ أَغْلَظُ حَتَّى أَنَّ الْمَسَّ عَنْ شَهْوَةٍ يُثْبِتُ حُرْمَةَ الْمُصَاهَرَةِ وَالنَّظَرُ إلَى غَيْرِ الْفَرْجِ لَا يُثْبِتُ وَالصَّوْمُ يَفْسُدُ بِالْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْإِنْزَالُ وَلَا يَفْسُدُ بِالنَّظَرِ فَالرُّخْصَةُ فِي النَّظَرِ لَا يَكُونُ دَلِيلَ الرُّخْصَةِ فِي الْمَسِّ وَالْبَلْوَى الَّتِي تَتَحَقَّقُ فِي النَّظَرِ تَتَحَقَّقُ فِي الْمَسِّ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا نَقُولُ: لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا سِوَى الْعَوْرَةِ مِنْ الرَّجُلِ وَلَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَمَسَّ ذَلِكَ مِنْهُ لِأَنَّ حُكْمَ الْمَسِّ أَغْلَظُ وَهَذَا إذَا كَانَتْ شَابَّةً تُشْتَهَى.
فَإِذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تَشْتَهِي فَلَا بَأْسَ بِمُصَافَحَتِهَا وَمَسَّ يَدِهَا لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ فِي الْبَيْعَةِ وَلَا يُصَافِحُ الشَّوَابَّ وَلَكِنْ كَانَ يَضَعُ يَدَهُ فِي قَصْعَةِ مَاءٍ ثُمَّ تَضَعُ الْمَرْأَةُ يَدَهَا فِيهَا فَذَلِكَ بَيْعَتُهَا» إلَّا أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنْكَرَتْ هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَتْ: مَنْ زَعَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَّ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَيْهِ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ فِي خِلَافَتِهِ يَخْرُجُ إلَى بَعْضِ الْقَبَائِلِ الَّتِي كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِيهَا فَكَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ وَلَمَّا مَرِضَ الزُّبَيْرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِمَكَّةَ اسْتَأْجَرَ عَجُوزًا لِتُمَرِّضَهُ فَكَانَتْ تَغْمِزُ رِجْلَيْهِ وَتُفَلِّي رَأْسَهُ وَلِأَنَّ الْحُرْمَةَ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ فَإِذَا كَانَتْ مِمَّنْ لَا تُشْتَهَى فَخَوْفُ الْفِتْنَةِ مَعْدُومٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ هُوَ شَيْخًا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَيْهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَافِحَهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَأْمَنُ عَلَيْهَا أَنْ تَشْتَهِيَ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يُصَافِحَهَا فَيُعَرِّضَهَا لِلْفِتْنَةِ كَمَا لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ فَأَمَّا النَّظَرُ إلَيْهَا عَنْ شَهْوَةٍ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَهُوَ مَا إذَا دُعِيَ إلَى الشَّهَادَةِ عَلَيْهَا أَوْ كَانَ حَاكِمًا يَنْظُرُ لِيُوَجِّه الْحُكْمَ عَلَيْهَا بِإِقْرَارِهَا أَوْ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَى مَعْرِفَتِهَا لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ النَّظَرِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَالضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ وَلَكِنْ عِنْدَ النَّظَرِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْصِدَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ أَوْ الْحُكْمَ عَلَيْهَا وَلَا يَقْصِدَ قَضَاءَ الشَّهْوَةِ لِأَنَّهُ لَوْ قَدَرَ عَلَى التَّحَرُّزِ فِعْلًا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّزَ فَكَذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَحَرَّزَ بِالنِّيَّةِ إذَا عَجَزَ عَنْ التَّحَرُّزِ فِعْلًا كَمَا لَوْ تَتَرَّسَ الْمُشْرِكُونَ بِأَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَى مَنْ يَرْمِيهِمْ أَنْ يَقْصِدَ الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُصِيبُ الْمُسْلِمَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا دُعِيَ إلَى تَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ إنْ نَظَرَ إلَيْهَا اشْتَهَى فَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا بِشَرْطِ أَنْ يَقْصِدَ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ لَا قَضَاءَ الشَّهْوَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ شُهُودَ الزِّنَا لَهُمْ أَنْ يَنْظُرُوا إلَى مَوْضِعِ الْعَوْرَةِ عَلَى قَصْدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute