للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي مُقَابَلَةِ الْقَوِيِّ

رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى غَابَ عَنْهَا فَأَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ أَنَّهَا قَدْ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْمُخْبِرُ ثِقَةٌ عِنْدَهُ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ مَمْلُوكٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ وَسِعَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِأَمْرٍ دِينِيٍّ وَهُوَ حِلُّ نِكَاحِ الْأَرْبَعِ لَهُ وَهَذَا أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَكَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ لِأَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ يَتَأَكَّدُ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ وَلِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ غَيْرُ مُلْزِمٍ إيَّاهُ شَيْئًا وَالْمُعْتَبَرُ فِي مِثْلِهِ التَّمْيِيزُ دُونَ الْعَدَالَةِ وَإِنَّمَا اعْتِبَارُ الْعَدَالَةِ فِي خَبَرٍ مُلْزِمٍ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ لِأَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهُ بِمُعَارَضَةِ أَكْبَرِ الرَّأْيِ بِخِلَافِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ أَخْبَرَ الْمَرْأَةَ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ ارْتَدَّ فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَيْضًا وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ يَقُولُ: لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهَا بِذَلِكَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قَالَ: لِأَنَّ رِدَّةَ الزَّوْجِ أَغْلَظُ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهَا اسْتِحْقَاقُ الْقَتْلِ بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ وَمَا ذُكِرَ هُنَا أَصَحُّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِخْبَارُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ لَا إثْبَاتَ مُوجِبِ الرِّدَّةِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَالْقَتْلُ بِمِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ صَغِيرَةً فَأَخْبَرَ أَنَّهَا قَدْ رَضَعَتْ مِنْ أُمِّهِ أَوْ أُخْتِهِ لَوْ أَخْبَرَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا يَوْمَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ مُرْتَدَّةٌ أَوْ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ وَالْمُخْبِرُ ثِقَةٌ لَمْ يَنْبَغِ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا مَا لَمْ يَشْهَدْ بِذَلِكَ عِنْدَهُ شَاهِدَا عَدْلٍ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِفَسَادِ عَقْدٍ حَكَمْنَا بِصِحَّتِهِ وَلَا يَبْطُلُ ذَلِكَ الْحُكْمُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَفِي الْأَوَّلِ مَا أَخْبَرَ بِفَسَادِ أَصْلِ النِّكَاحِ بَلْ أَخْبَرَ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِأَمْرٍ مُحْتَمَلٍ يُوَضِّحُهُ أَنَّ إخْبَارَهُ بِأَنَّ أَصْلَ النِّكَاحِ كَانَ فَاسِدًا مُسْتَنْكَرٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُبَاشِرُ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ عَادَةً فَأَمَّا إخْبَارُهُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِسَبَبٍ عَارِضٍ غَيْرِ مُسْتَنْكَرٍ وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَا عَدْلٍ بِذَلِكَ وَسِعَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا لِأَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي حَكَمَ بِبُطْلَانِ النِّكَاحِ فَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَا بِهِ عِنْدَ الزَّوْجِ وَعَلَى هَذَا لَوْ أَنَّ امْرَأَةً غَابَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَأَخْبَرَهَا مُسْلِمٌ ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ مَاتَ عَنْهَا أَوْ كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ فَأَتَاهَا بِكِتَابٍ مِنْ زَوْجِهَا بِالطَّلَاقِ وَلَا تَدْرِي أَنَّهُ كِتَابُهُ أَمْ لَا إلَّا أَنَّ أَكْبَرَ رَأْيِهَا أَنَّهُ حَقٌّ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَعْتَدَّ وَتَتَزَوَّجَ وَلَوْ أَتَاهَا فَأَخْبَرَهَا أَنَّ أَصْلَ نِكَاحِهَا كَانَ فَاسِدًا وَأَنَّ زَوْجَهَا كَانَ أَخَاهَا مِنْ الرَّضَاعَةِ أَوْ مُرْتَدًّا لَمْ يَسَعْهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً لِأَنَّهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَخْبَرَهَا بِخَبَرٍ مُسْتَنْكَرٍ وَقَدْ أَلْزَمَهَا الْحُكْمَ بِخِلَافِهِ وَفِي الْأَوَّلِ أَخْبَرَهَا بِخَبَرٍ مُحْتَمَلٍ وَهُوَ أَمْرٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَبِّهَا فَلَهَا أَنْ تَعْتَمِدَ ذَلِكَ الْخَبَرَ وَتَتَزَوَّجَ وَهِيَ نَظِيرُ امْرَأَةٍ قَالَتْ لِرَجُلٍ قَدْ طَلَّقَنِي زَوْجِي ثَلَاثًا وَانْقَضَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>