للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ الْمَقْصُودُ بِدُونِهِ فَسَقَطَ وُجُوبُ التَّحَرِّي كَالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ لِمَقْصُودٍ وَهُوَ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ فَإِذَا تَوَصَّلَ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ حُمِلَ إلَى الْجَامِعِ مُكْرَهًا سَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ السَّعْيِ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَتَحَرَّى بَعْدَ الشَّكِّ وَيَقَعَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ غَنِيٌّ فَدَفَعَ إلَيْهِ مَعَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يُشْكِلُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِفَقْرِهِ فَإِذَا عَلِمَ فَهُوَ جَائِزٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَلَى قِيَاسِ مَا نُبَيِّنُهُ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْفَرْقُ فَإِنْ الصَّلَاةَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ مَعَ الْعِلْمِ لَا تَكُونُ طَاعَةً فَإِذَا كَانَ عِنْدَهُ أَنَّ فِعْلَهُ مَعْصِيَةٌ لَا يُمْكِنُ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ عَنْهُ، فَأَمَّا التَّصَدُّقُ عَلَى الْغَنِيِّ صَحِيحٌ لَيْسَ فِيهِ مَعْنَى الْمَعْصِيَةِ فَيُمْكِنُ إسْقَاطُ الْوَاجِبِ بِفِعْلِهِ هَذَا إذَا تَبَيَّنَ وُصُولُ الْحَقِّ إلَى مُسْتَحَقِّيهِ بِظُهُورِ فَقْرِ الْقَابِضِ، وَالْفَصْلُ الرَّابِعُ أَنْ يَتَحَرَّى وَيَقَعَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ فَقِيرٌ فَدَفَعَ إلَيْهِ فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ فَقِيرٌ أَوْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ حَالِهِ شَيْءٌ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَوَّلُ وَفِي قَوْلِهِ الْآخِرِ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ جَالِسًا فِي صَفِّ الْفُقَرَاءِ يَصْنَعُ صَنِيعَهُمْ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ زِيُّ الْفُقَرَاءِ أَوْ سَأَلَهُ فَأَعْطَاهُ فَهَذِهِ الْأَسْبَابُ بِمَنْزِلَةِ التَّحَرِّي.

وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ تَبَيَّنَ لَهُ الْخَطَأُ فِي اجْتِهَادِهِ بِيَقِينٍ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ اجْتِهَادِهِ كَمَنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ وَصَلَّى ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ نَجِسًا أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ نَجِسًا أَوْ الْقَاضِي قَضَى فِي حَادِثَةٍ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ ظَهَرَ نَصٌّ بِخِلَافِهِ، وَبَيَانُهُ أَنَّ صِفَةَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى يُوقَفُ عَلَيْهِمَا حَقِيقَةً فَإِنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ بِهِمَا أَحْكَامًا مِنْ النَّفَقَةِ وَضَمَانِ الْعِتْقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَتَعَلَّقُ الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ بِمَا يُوقَفُ عَلَيْهِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْوَصْفُ فَتَأْثِيرُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ لَيْسَ هُوَ عَيْنُ الِاجْتِهَادِ بَلْ الْمَقْصُودَ اتِّصَالُ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يُوصِلْهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ صَارَ اجْتِهَادُهُ وُجُودًا أَوْ عَدَمًا بِمَنْزِلَةٍ، لِأَنَّ غَالِبَ الرَّأْيِ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا فِي حَقِّهِ وَلَكِنْ لَا يَسْقُطُ بِهِ الْحَقُّ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ، وَالزَّكَاةُ صِلَةٌ مُسْتَحَقَّةٌ لِلْمَحَاوِيجِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِعُذْرٍ فِي جَانِبِهِ إذَا لَمْ يُوصِلْ الْحَقَّ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، وَبِهِ فَارَقَ الصَّلَاةَ عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لِأَنَّ فَرِيضَةَ التَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ لِحَقِّ الشَّرْعِ وَهُوَ مَعْذُورٌ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ فَيُمْكِنُ إقَامَةُ الِاجْتِهَادِ مَقَامَ مَا هُوَ الْمُسْتَحَقُّ عَلَيْهِ فِي حَقِّ الشَّرْعِ، وَحُجَّةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ مُؤَدٍّ لِمَا كُلِّفَ فَيَسْقُطُ بِهِ الْوَاجِبُ كَمَا لَوْ لَمْ يَظْهَرْ شَيْءٌ مِنْ حَالِ الْمَصْرُوفِ إلَيْهِ، وَبَيَانُهُ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْأَدَاءِ إلَى مَنْ هُوَ فَقِيرٌ عِنْدَهُ لَا إلَى مَنْ هُوَ فَقِيرٌ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>