دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِي الْكُلِّ وَاحِدٌ مَعَ أَنَّ مُطْلَقَ الصَّدَقَةِ يَنْصَرِفُ إلَى الْوَاجِبِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ قَالَ: «صَدَقَةُ مَالِهِ».
وَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى الْوَاجِبِ، وَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِعْلٌ هُوَ قُرْبَةٌ فِي مَحَلٍّ يَجْرِي فِيهِ الشُّحُّ وَالضَّنُّ وَهُوَ الْمَالُ بِاعْتِبَارِ مَصْرِفٍ لَيْسَ بَيْنَهُمَا وَلَادٌّ ثُمَّ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ وَالْحَاجَةِ أَقَامَ الشَّرْعُ أَكْثَرَ هَذِهِ الْأَوْصَافِ مَقَامَ الْكُلِّ فِي حُكْمِ الْجَوَازِ وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ لِتَعَذُّرِ اسْتِرْدَادِ الْمَقْبُوضِ مِنْ الْقَابِضِ وَبِهَذَا يُسْتَدَلُّ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى أَيْضًا، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ عَلَى الْغَنِيِّ فِيهَا مَعْنَى الْقُرْبَةِ كَالتَّصَدُّقِ عَلَى الْوَلَدِ وَلِهَذَا لَا رُجُوعَ فِيهِ فَيُقَامُ أَكْثَرُ الْأَوْصَافِ مَقَامَ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْجَوَازِ ثُمَّ طَرِيقُ مَعْرِفَةِ الْبُنُوَّةِ الِاجْتِهَادُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} [البقرة: ١٤٦] قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَاَللَّهِ إنِّي بِنُبُوَّتِهِ أَعْرَفُ مِنَى بِوَلَدِي فَإِنِّي أَعْرِفُهُ نَبِيًّا حَقًّا وَلَا أَدْرِي مَاذَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ بَعْدِي، وَإِذَا كَانَ طَرِيقُ الْمَعْرِفَةِ الِاجْتِهَادَ كَانَ هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءً مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ الِاجْتِهَادُ بِاجْتِهَادٍ مِثْلِهِ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ هَاشِمِيٌّ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ جَوَازِ صَرْفِ الْوَاجِبِ إلَيْهِ بِاعْتِبَارِ النَّسَبِ مَعَ أَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِ قُرْبَةٌ فَهُوَ وَفَصْلُ الْأَبِ سَوَاءٌ، وَفِي جَامِعِ الْبَرَامِكَةِ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ مِمَّا يُوقَفُ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَيَصِيرُ كَالْمَعْلُومِ حَقِيقَةً فَكَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ ظُهُورِ النَّصِّ بِخِلَافِ الِاجْتِهَادِ وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِهَاشِمِيٍّ: لَسْت بِهَاشِمِيٍّ فَإِنَّهُ يُحَدُّ أَوْ يُعَزَّرُ عَلَى حَسَبِ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ ذِمِّيٌّ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ أَيْضًا وَفِي الْأَمَالِي رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْكُفْرَ مِمَّا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَوْ ظَهَرَ أَنَّ الشُّهُودَ كُفَّارٌ بَطَلَ قَضَاءُ الْقَاضِي وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَالَ: مَا يَكُونُ فِي الِاعْتِقَادِ فَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الِاجْتِهَادُ وَالتَّصَدُّقُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ قُرْبَةٌ فَهُوَ وَمَا سَبَقَ سَوَاءٌ، وَفِي الْكِتَابِ قَالَ: أَعْطَى ذِمِّيًّا أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ سِيمَا الْمُسْلِمِينَ.
وَفِي هَذَا دَلِيلٌ أَنَّهُ يَجُوزُ تَحْكِيمُ السِّيمَا فِي هَذَا الْبَابِ قَالَ تَعَالَى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [الرحمن: ٤١] وَقَالَ تَعَالَى {تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: ٢٧٣] وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الذِّمِّيَّ إذَا قَالَ: أَنَا مُسْلِمٌ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ ذِمِّيٌّ، وَهَذَا لِأَنَّ قَوْلَهُ أَنَا مُسْلِمٌ أَيْ مُنْقَادٌ لِلْحَقِّ مُسْتَسْلِمٌ وَكُلُّ أَحَدٍ يَدَّعِي ذَلِكَ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: الْمَجُوسِيُّ إذَا قَالَ أَنَا مُسْلِمٌ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ لِأَنَّهُمْ يَتَشَاءَمُونَ بِهَذَا اللَّفْظِ وَيَتَبَرَّءُونَ مِنْهُ بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ مُسْتَأْمَنٌ حَرْبِيٌّ فَهُوَ جَائِزٌ عَلَى مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute