للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إلَيْهَا أَيْضًا مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةً، وَقَدْ كَانَتْ عِنَايَتُهُمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ أَظْهَرَ مِنْ عِنَايَةِ مَنْ كَانَ بَعْدَهُمْ فَيَلْزَمُنَا اتِّبَاعُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَمِنْ الدَّلِيلِ السُّؤَالُ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِمَّنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِأَنَّ أَهْلَ كُلِّ مَوْضِعٍ أَعْرَفُ بِقِبْلَتِهِمْ مِنْ غَيْرِهِمْ عَادَةً وَقَالَ تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣]، وَمِنْ الدَّلِيلِ النُّجُومُ أَيْضًا عَلَى مَا حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: أَهْلُ الْكُوفَةِ يَجْعَلُونَ الْجَدْيَ خَلْفَ الْقَفَا فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَنَحْنُ نَجْعَلُ الْجَدْيَ خَلْفَ الْأُذُنِ الْيُمْنَى، وَكَانَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُول: السَّبِيلُ فِي مَعْرِفَةِ الْجِهَةِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَغْرِبِ الصَّيْفِ فِي أَطْوَلِ أَيَّامِ السَّنَةِ فَيُعَيِّنُهُ ثُمَّ يَنْظُرَ إلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ فَيُعَيِّنُهُ ثُمَّ يَدَعُ الثُّلُثَيْنِ عَلَى يَمِينِهِ وَالثُّلُثَ عَلَى يَسَارِهِ فَيَكُونُ مُسْتَقْبِلًا لِلْجِهَةِ إذَا وَاجَهَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَلَا مَعْنَى لِلِانْحِرَافِ إلَى جَانِبِ الشَّمَالِ بَعْدَ هَذَا لِأَنَّهُ إذَا مَالَ بِوَجْهِهِ يَكُونُ إلَى حَدِّ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي أَقْصَرِ أَيَّامِ السَّنَةِ أَوْ يُجَاوِزُ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ مُسْتَقْبِلًا لِلْقِبْلَةِ وَلَا لِلْحَرَمِ أَيْضًا عَلَى مَا حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْحَرَمَ مِنْ جَانِبِ الشَّمَالِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَمِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ اثْنَا عَشَرَ مِيلًا وَمِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِيلًا وَمِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مِيلًا.

وَقِيلَ: قِبْلَةُ أَهْلِ الشَّامِ الرُّكْنُ الشَّامِيُّ وَقِبْلَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَوْضِعُ الْحَطِيمِ وَالْمِيزَابُ مِنْ جِدَارِ الْبَيْتِ وَقِبْلَةُ أَهْلِ الْيَمَنِ الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ وَمَا بَيْنَ الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ إلَى الْحِجْرِ قِبْلَةُ أَهْلِ الْهِنْدِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهَا وَقِبْلَةُ أَهْلِ خُرَاسَانَ وَالْمَشْرِقِ الْبَابُ وَمَقَامُ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِذَا انْحَرَفَ بَعْدَ هَذَا وَإِنْ قَلَّ انْحِرَافُهُ يَصِيرُ غَيْرَ مُسْتَقْبِلٍ لِلْقِبْلَةِ، وَعِنْدَ انْقِطَاعِ الْأَدِلَّةِ فَرْضُهُ التَّحَرِّي، وَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْجِهَةَ الَّتِي يُؤَدِّيهِ إلَيْهَا تُحْرِيه تَكُونُ قِبْلَةً حَقِيقَةً فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا فِي وُسْعِهِ وَالتَّكْلِيفُ بِحَسَبِ الْوُسْعِ وَهَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ فَفِيهِ قَوْلٌ بِأَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَلَكِنَّهُ مُؤَدٍّ لِمَا كُلِّفَ وَإِنَّمَا كُلِّفَ طَلَبَ الْجِهَةِ عَلَى رَجَاءِ الْإِصَابَةِ، وَالْمَقْصُودُ لَيْسَ عَيْنَ الْجِهَةِ إنَّمَا الْمَقْصُودُ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] وَلَا جِهَةَ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا أَنَّا لَوْ قُلْنَا: يَتَوَجَّهُ إلَى أَيِّ جَانِبٍ شَاءَ انْعَدَمَ الِابْتِلَاءُ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْعِبَادَةِ إذَا كَانَ فِيهِ مَعْنَى الِابْتِلَاءِ فَإِنَّمَا نُوجِبُ عَلَيْهِ التَّحَرِّيَ لِرَجَاءِ الْإِصَابَةِ لِتَحْقِيقِ الِابْتِلَاءِ، وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ مُؤَدِّيًا لِمَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصِيبًا لِلْجِهَةِ حَقِيقَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هَذَا مَا بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّ الْمُصَلِّينَ بِالتَّحَرِّي إذَا أَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ فَصَلَاةُ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِمَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>