بَشَّرَ الْعَبَّاسَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِانْتِقَالِ الْخِلَافَةِ إلَى أَوْلَادِهِ بَعْدَهُ وَقَالَ: مِنْ عَلَامَاتِهِمْ لُبْسُ السَّوَادِ»، وَالْكُفَّارُ لَا يَلْبَسُونَ السَّوَادَ فَإِنْ أَمْكَنَ التَّمْيِيزُ بِشَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا كَمَا إذَا أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ جِهَةِ الْقِبْلَةِ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَلَامَاتِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ
وَمِنْ الْمُخْتَلِطِ الَّذِي هُوَ مُنْفَصِلُ الْأَجْزَاءِ مَسْأَلَةُ الثِّيَابِ إذَا كَانَ فِي بَعْضِهَا نَجَاسَةٌ كَثِيرَةٌ وَلَيْسَ مَعَهُ ثَوْبٌ غَيْرُ هَذِهِ الثِّيَابِ وَلَا مَا يَغْسِلُهَا بِهِ وَلَا يَعْرِفُ الطَّاهِرَ مِنْ النَّجِسِ فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى وَيُصَلِّي فِي الَّذِي يَقَعُ تَحَرِّيهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ سَوَاءٌ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلثِّيَابِ النَّجِسَةِ أَوْ لِلثِّيَابِ الطَّاهِرَةِ أَوْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَسَالِيخِ، وَعِنْدَ التَّأَمُّلِ لَا فَرْقَ لِأَنَّ هُنَاكَ يَجُوزُ لَهُ التَّحَرِّي عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَيْضًا وَالضَّرُورَةُ هُنَا قَدْ تَحَقَّقَتْ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا ثَوْبَ مَعَهُ سِوَى هَذِهِ الثِّيَابِ فَجَوَّزْنَا لَهُ التَّحَرِّيَ لِلضَّرُورَةِ، ثُمَّ الْفَرْقُ أَنَّ عَيْنَ الثَّوْبِ لَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاجْتِنَابُ عَنْهُ بَلْ لَهُ أَنْ يَلْبَسَهُ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ نَجِسًا، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ صِفَةَ الْعَيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ أَيَّ هَذِهِ الثِّيَابِ شَاءَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَتَحَرَّى لِمَا هُوَ مِنْ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَهُوَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ فَكَانَ هَذَا وَالتَّحَرِّي لِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ سَوَاءً بِخِلَافِ الْمَسَالِيخِ، فَإِنَّ الْمَيْتَةَ مُحَرَّمَةُ الْعَيْنِ فَإِذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْحَرَامِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ حَرَامًا فِي وُجُوبِ الِاجْتِنَابِ عَنْهُ، وَإِلَى نَحْوِ هَذَا أَشَارَ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ لِأَنَّ الثِّيَابَ لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَجِسَةً لَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَعْضِهَا ثُمَّ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ مَعْنَاهُ لَيْسَ عَلَيْهِ الِاجْتِنَابُ عَنْ لُبْسِ الثَّوْبِ النَّجِسِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَأَنْ يَكُونَ لَهُ أَنْ يَتَحَرَّى وَإِصَابَةُ الطَّاهِرِ بِتَحَرِّيهِ مَأْمُولٌ أَوْلَى وَفِي الْمَسَالِيخِ فِي حَالَةِ الِاخْتِيَارِ عَلَيْهِ الِاجْتِنَابُ عَنْ الْحَرَامِ فَإِذَا كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِلْحَرَامِ كَانَ عَلَيْهِ الِاجْتِنَابُ أَيْضًا.
وَإِذَا وَقَعَ تُحْرِيه فِي ثَوْبَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا أَنَّهُ هُوَ الطَّاهِرُ فَصَلَّى فِيهِ الظُّهْرَ ثُمَّ وَقَعَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ هُوَ الطَّاهِرُ فَصَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّا حِينَ حَكَمْنَا بِجَوَازِ الظُّهْرِ فِيهِ حَكَمْنَا بِأَنَّ الطَّاهِرَ ذَلِكَ الثَّوْبُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ الْآخَرِ فَلَا يَعْتَبِرُ أَكْبَرَ رَأْيِهِ بَعْدَ مَا جَرَى الْحُكْمُ بِخِلَافِهِ، وَهَذَا بِخِلَافِ أَمْرِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ إلَى جِهَةٍ ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى فَصَلَّى الْعَصْرَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ هُنَاكَ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِجَوَازِ الظُّهْرِ الْحُكْمُ بِأَنَّ تِلْكَ الْجِهَةَ هِيَ جِهَةُ الْكَعْبَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ تَبَيَّنَ الْخَطَأُ جَازَتْ صَلَاتُهُ فَكَانَ تَحَرِّيهِ عِنْدَ الْعَصْرِ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى مُصَادِفًا مَحَلَّهُ، وَهُنَا مِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِجَوَازِ الظُّهْرِ الْحُكْمُ بِأَنَّ الطَّاهِرَ ذَلِكَ الثَّوْبُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَبَيَّنَتْ النَّجَاسَةُ فِيهِ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ، يُوَضِّحُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute