للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ يَلْتَزِمُ حِفْظَهُ، وَنَفَقَتَهُ بِهَذَا الْإِقْرَارِ، وَهَذَا الِالْتِزَامُ تَصَرُّفٌ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَهُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ ثُمَّ التَّنَاقُضُ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ النَّسَبِ بِالدَّعْوَةِ كَالْمُلَاعِنِ إذَا أَكْذَبَ نَفْسَهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ سَبَبُهُ خَفِيٌّ فَرُبَّمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي الِابْتِدَاءِ فَظَنَّ أَنَّهُ لَقِيطٌ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ وَلَدُهُ.

وَإِنْ ادَّعَاهُ غَيْرُ الْمُلْتَقِطِ فِي الْقِيَاسِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ، وَهَذَا قِيَاسٌ آخَرُ سِوَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ بِهَذِهِ الدَّعْوَةِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ الْمُلْتَقِطِ، وَحَقُّ الْحِفْظِ قَدْ ثَبَتَ لِلْمُلْتَقِطِ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ لِغَيْرِهِ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ فَلَا يُقْبَلُ مُجَرَّدُ دَعْوَاهُ فِي إبْطَالِ الْحَقِّ الثَّابِتِ لَهُ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ اللَّقِيطَ مُحْتَاجٌ إلَى النَّسَبِ فَهُوَ فِي دَعْوَةِ النَّسَبِ يُقِرُّ لَهُ بِمَا يَنْفَعُهُ، وَيَلْتَزِمُ حَقًّا لَهُ فَكَانَ دَعْوَاهُ كَدَعْوَى الْمُلْتَقِطِ لِنَسَبِهِ ثُمَّ يَتَرَجَّحُ هُوَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ فِي الْحِفْظِ حُكْمًا لِثُبُوتِ نَسَبِهِ، وَمِثْلُ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ حُكْمًا، وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إثْبَاتِهِ قَصْدًا كَمَا أَنَّ النَّسَبَ وَالْمِيرَاثَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى الْوِلَادَةِ حُكْمًا، وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ الْمَالُ بِشَهَادَتِهَا قَصْدًا يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ أَخْذَ اللَّقِيطِ مِنْ يَدِهِ فَإِنَّمَا مُنَازَعَتُهُ فِي عَيْنِ مَا بَاشَرَهُ الْأَوَّلُ فَيَتَرَجَّحُ الْأَوَّلُ بِالسَّبْقِ، وَأَمَّا إذَا ادَّعَى نَسَبَهُ فَمُنَازَعَتُهُ لَيْسَتْ فِي شَيْءٍ بَاشَرَهُ الْمُلْتَقِطُ فَصَحَّتْ دَعْوَتُهُ لِمُصَادِفَتِهَا مَحَلَّهَا، وَلَا مُنَازِعَ لَهُ فِي ذَلِكَ ثُمَّ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ النَّسَبِ أَنْ يَكُونَ هُوَ أَحَقَّ بِحِفْظِ وَلَدِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ.

وَإِذَا أَبَى الْمُلْتَقِطُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى اللَّقِيطِ، وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يَقْبَلَهُ مِنْهُ فَلِلْقَاضِي أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى إنَّهُ لَقِيطٌ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيمَا يَقُولُ فَلَعَلَّهُ وَلَدُهُ أَوْ بَعْضُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَاحْتَالَ بِهَذِهِ الْحِيلَةِ لِيُسْقِطَ نَفَقَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ فَلِهَذَا لَا يُصَدِّقُهُ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَقِيطٌ قَبِلَ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ حَاضِرٍ إمَّا لِأَنَّهَا تَقُومُ لِكَشْفِ الْحَالِ، وَالْبَيِّنَةُ لِكَشْفِ الْحَالِ مَسْمُوعَةٌ مِنْ غَيْرِ خَصْمٍ أَوْ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُلْزِمَةٍ، وَاشْتِرَاطُ حُضُورِ الْخَصْمِ لِمَعْنَى الْإِلْزَامِ ثُمَّ الْقَاضِي مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَبَضَهُ مِنْهُ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبِضْ، وَلَكِنْ يُوَلِّيهِ مَا تَوَلَّى فَيَقُولُ لَهُ قَدْ الْتَزَمْتَ حِفْظَهُ فَأَنْتَ وَمَا الْتَزَمْتَ، وَلَيْسَ لَك أَنْ تُلْزِمَنِي مَا الْتَزَمْتَهُ، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقْبِضَهُ إذَا عَلِمَ بِعَجْزِهِ عَنْ حِفْظِهِ، وَالْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ لِأَنَّ فِي تَرْكِهِ فِي يَدِهِ تَعْرِيضُهُ لِلْهَلَاكِ، وَلِأَنَّ الْأَخْذَ الْآنَ مِنْ بَابِ النَّظَرِ، وَالْقَاضِي مَنْصُوبٌ لِذَلِكَ فَإِنْ أَخَذَهُ، وَوَضَعَهُ فِي يَدِ رَجُلٍ، وَأَمَرَهُ بِأَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى اللَّقِيطِ ثُمَّ إنَّ الَّذِي الْتَقَطَهُ سَأَلَ الْقَاضِيَ إنْ يَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَرُدَّ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ حَقِّ الِاخْتِصَاصِ فَحَالُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَحَالِ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ فِي طَلَبِ الرَّدِّ.

رَجُلٌ الْتَقَطَ لَقِيطًا فَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ فَانْتَزَعَهُ مِنْهُ فَاخْتَصَمَا فِيهِ فَإِنَّهُ يَدْفَعُ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ يَدَهُ سَبَقَتْ إلَيْهِ فَكَانَ هُوَ أَحَقَّ بِحِفْظِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>