للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحْضَارِهِ، فَلَا يَجُوزُ فِيهِ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي كَمَا فِي سَائِرِ الْعُرُوضِ، وَلَكِنْ اسْتَحْسَنَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْعَبِيدِ قَالَ: الْعَبْدُ قَدْ يَأْبَقُ مِنْ مَوْلَاهُ، وَقَدْ يُرْسِلُهُ مَوْلَاهُ فِي حَاجَةٍ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ فَيَمْتَنِعُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهِ، وَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْمَوْلَى الْجَمْعُ بَيْنَ شُهُودِهِ وَبَيْنَهُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي أَدَّى إلَى إتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ، فَكَانَ قَبُولُ الْبَيِّنَةِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ، وَمَا كَانَ أَرْفَقَ بِالنَّاسِ فَالْأَخْذُ بِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ مَدْفُوعٌ، وَكَانَ يَقُولُ مَرَّةً فِي الْجَارِيَةِ أَيْضًا: يُقْبَلُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا يُقْبَلُ فِي الْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّ بَابَ الْفُرُوجِ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْبَلْوَى تَقِلُّ فِي الْجَوَارِي فَالْمَوْلَى لَا يُرْسِلُهَا مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ عَادَةً، وَالْإِبَاقُ فِي الْجَوَارِي يَنْدُرُ أَيْضًا.

ثُمَّ بَيَانُ مَذْهَبِهِ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يُقِيمُ عِنْدَ الْقَاضِي شَاهِدَيْنِ عَلَى حِلْيَتِهِ وَصِفَتِهِ، وَأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُ فَيَكْتُبُ لَهُ بِذَلِكَ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي هُوَ فِيهِ مَحْبُوسٌ، فَإِذَا ثَبَتَ الْكِتَابُ عِنْدَ ذَلِكَ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْخَتْمِ، وَوَافَقَ حِلْيَةَ الْعَبْدِ وَصِفَتَهُ مَا فِي الْكِتَابِ دُفِعَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالْمُلْكِ، وَيُخْتَمُ فِي عُنُقِهِ بِالرَّصَاصِ لِلْإِعْلَامِ، وَيَأْخُذُ مِنْ الْمُدَّعِي كَفِيلًا، ثُمَّ يَأْتِي بِهِ الْمُدَّعِي إلَى الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ شُهُودُهُ، وَيَكْتُبُ مَعَهُ كِتَابًا إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي فَإِذَا أَتَى بِهِ إلَى هَذَا الْقَاضِي أَعَادَ شُهُودَهُ لِيَشْهَدُوا بِالْإِشَارَةِ إلَى الْعَبْدِ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَحَقُّهُ، فَإِذَا شَهِدُوا بِذَلِكَ قَضَى لَهُ بِالْعَبْدِ، وَكَتَبَ إلَى ذَلِكَ الْقَاضِي بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيُبَرِّئَ كَفِيلَهُ. وَفِي الْجَوَارِي عَلَى قَوْلِهِ الْأَوَّلِ: لَا يَدْفَعُهَا إلَيْهِ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ أَوَّلًا، وَلَكِنَّهُ يَبْعَثُ بِهَا مَعَهُ عَلَى يَدِ أَمِينٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَفَعَهَا إلَيْهِ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ وَطْئِهَا، وَإِنْ كَانَ أَمِينًا فِي نَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ يَزْعُمُ أَنَّهَا مَمْلُوكَتُهُ، وَلَكِنْ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَالَا: هَذَا اسْتِحْسَانٌ فِيهِ بَعْضُ الْقُبْحِ، فَإِنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدَ يَسْتَخْدِمُهُ قَهْرًا أَوْ يَسْتَغِلُّهُ فَيَأْكُلُ مِنْ غَلَّتِهِ قَبْلَ أَنْ يَثْبُتَ مِلْكُهُ فِيهِ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَرُبَّمَا يَظْهَرُ الْعَبْدُ لِغَيْرِهِ إذَا جَاءَ بِهِ إلَى الْقَاضِي الْكَاتِبِ فَالْحِلْيَةُ وَالصِّفَةُ تُشْتَبَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ قَدْ يَتَّفِقَانِ فِي الْحِلْيَةِ وَالصِّفَةِ، أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَتْ جَارِيَةً حَسْنَاءَ أَكَانَ يَبْعَثُ بِهَا مَعَ رَجُلٍ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ هَذَا قُبْحٌ، فَلِهَذَا أَخَذْنَا بِالْقِيَاسِ، فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي بَاعَ الْعَبْدَ الْآبِقَ حِينَ طَالَ حَبْسُهُ، وَأَخَذَ ثَمَنَهُ، وَهَلَكَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ ادَّعَاهُ الرَّجُلُ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ عَبْدًا اسْمُهُ كَذَا، وَكَذَا عَبْدُهُ فَوَافَقَ ذَلِكَ صِفَةَ الْعَبْدِ الَّذِي بَاعَهُ الْقَاضِي لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ، وَلَا يُدْفَعْ إلَيْهِ الثَّمَنُ لِأَنَّ شُهُودَهُ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَى اسْتِحْقَاقِ مَا فِي يَدِ الْقَاضِي مِنْ الثَّمَنِ، إنَّمَا شَهِدُوا عَلَى الِاسْمِ وَالْحِلْيَةِ، وَالِاسْمُ يُوَافِقُ الِاسْمَ وَالْحِلْيَةُ تُوَافِقُ الْحِلْيَةَ إلَّا أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ الْعَبْدَ

<<  <  ج: ص:  >  >>