للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّكَاحِ يُعْتَبَرُ وَقْتَ الْعَقْدِ لَا عِنْدَ الْإِجَازَةِ، وَالنِّكَاحُ يَنْعَقِدُ مَعَ التَّوَقُّفِ، وَمَا يَمْنَعُ تَمَامَ السَّبَبِ فَالنِّكَاحُ لَا يَحْتَمِلُهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ. وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْغَاصِبَيْنِ إذَا تَصَارَفَا وَتَقَابَضَا وَافْتَرَقَا ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكَانِ فَمُحَمَّدٌ يُوَافِقُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ، وَمَا يَمْنَعُ تَمَامَ السَّبَبِ لَا يَكُونُ عَفْوًا فِي الصَّرْفِ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ كَخِيَارِ الشَّرْطِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى تَمَامِ السَّبَبِ أَنَّهُ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ عِنْدَ الْإِجَازَةِ بِزَوَائِدِهِ الْمُنْفَصِلَةِ وَالْمُتَّصِلَةِ.

(وَإِذَا) ثَبَتَ أَنَّ السَّبَبَ تَامٌّ فَنَقُولُ: الْعِتْقُ قَبْضٌ حَتَّى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْتَقَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَصِيرُ قَابِضًا، وَالْقَبْضُ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ يَتَوَقَّفُ بِتَوَقُّفِ السَّبَبِ، وَيَنْفُذُ بِنُفُوذِهِ كَالْقَبْضِ الْحَقِيقِيِّ فِي الْمَبِيعِ أَوْ الثَّمَنِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ رَجُلًا لَوْ قَالَ لِلْغَاصِبِ: أَعْتِقْ هَذَا الْعَبْدَ عَنِّي بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ أَجَازَ الْمَالِكُ نَفَذَ بِالْإِجَازَةِ الْعِتْقُ وَالْبَيْعُ جَمِيعًا، فَهَذَا مِثْلُهُ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ هُنَاكَ مُضْمَرٌ، وَهُنَا مُفْصَحٌ بِهِ، وَلَا وَجْهَ لِمَنْعِ هَذَا، فَإِنَّهُ لَوْ الْتَمَسَ هَذَا مِنْ الْمَالِكِ فَأَجَابَهُ إلَيْهِ كَانَ نَافِذًا فَكَذَلِكَ إذَا الْتَمَسَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ فَأَجَابَهُ إلَيْهِ وَأَجَازَهُ الْمَالِكُ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُنَاكَ غَيْرُ تَامٍّ، فَإِنَّ قَوْلَهُ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ مَقْرُونٌ بِالْعَقْدِ نَصًّا، وَتَعْلِيقُ الْعَقْدِ بِالشَّرْطِ يَمْنَعُ كَوْنَهُ سَبَبًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ قِيَاسًا؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ الشَّرْطَ عَلَى السَّبَبِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُجْعَلُ الشَّرْطُ دَاخِلًا عَلَى حُكْمِ السَّبَبِ فَيَنْعَقِدُ أَصْلُ الْعَقْدِ، وَيَكُونُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ كَالْمُتَعَلِّقِ بِالشَّرْطِ، وَالْمُتَعَلِّقُ بِالشَّرْطِ مَعْدُومٌ قَبْلَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ عَبْدِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ بِهِ الْيَوْمَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ غَدًا فَتَصَدَّقَ بِهِ الْيَوْمَ يَجُوزُ، فَعَرَفْنَا أَنَّ التَّوَقُّفَ لَا يَمْنَعُ تَمَامَ السَّبَبِ، وَالتَّعْلِيقُ بِالشَّرْطِ يَمْنَعُ مِنْهُ، يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّ فِي الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ يُثْبِتُ مِلْكًا يَلِيقُ بِالسَّبَبِ، وَهُوَ الْمِلْكُ الْمَوْقُوفُ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا يُزِيلُ مِلْكَ الْمَالِكِ، وَلَا يَتَضَرَّرُ بِهِ، فَإِنَّمَا تَرَتَّبَ عَلَى مِلْكٍ مَوْقُوفٍ فَيَتَوَقَّفُ بِتَوَقُّفِهِ، وَيَنْفُذُ بِنُفُوذِهِ، فَأَمَّا الشَّرْطُ فِي مَسْأَلَةِ الْخِيَارِ كَمَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ التَّامَّ يَمْنَعُ الْمِلْكَ الْمَوْقُوفَ فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عِتْقُ الْمُشْتَرِي عَلَى مِلْكٍ فِي الْمَحِلِّ أَصْلًا، وَمَسْأَلَةُ الْمُكْرَهِ قَدْ مَنَعَهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -

وَالْأَصَحُّ أَنْ نَقُولَ: بَيْعُ الْمُكْرَهِ فَاسِدٌ؛ وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ قَبْلَ الْقَبْضِ ضَعِيفٌ غَيْرُ تَامٍّ فِي حُكْمِ الْمِلْكِ كَالْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَا يَثْبُتُ بِهِ مِلْكٌ تَامٌّ وَلَا مَوْقُوفٌ فِي الْمَحِلِّ؛ فَلِهَذَا لَا يَنْفُذُ عِتْقُهُ، وَعِتْقُ الْمُشْتَرِي مُخَالِفٌ لِبَيْعِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَيْسَ بِقَبْضٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَ الْمَبِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَصِيرُ بِهِ قَابِضًا، وَإِنَّمَا يَتَوَقَّفُ بَعْدَ تَمَامِ السَّبَبِ مَا هُوَ مِنْ حُقُوقِهِ، وَالْعِتْقُ مِنْ حُقُوقِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>