للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَكَانَ يَنْزِلُ الدَّمُ إلَى رُءُوسِ أَصَابِعِهِمْ إذَا أَرْسَلُوا فَقِيلَ لَهُمْ لَوْ اعْتَمَدْتُمْ لَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ. وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَاظَبَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّا مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ أُمِرْنَا أَنْ نَأْخُذَ شَمَائِلَنَا بِأَيْمَانِنَا فِي الصَّلَاةِ»، وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَضَعَ الْمُصَلِّي يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ تَحْتَ السُّرَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَأَمَّا صِفَةُ الْوَضْعِ فَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ لَفْظُ الْأَخْذِ، وَفِي حَدِيثِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَفْظُ الْوَضْعِ وَاسْتَحْسَنَ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِنَا الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَضَعَ بَاطِنَ كَفِّهِ الْيُمْنَى عَلَى ظَاهِرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَيُحَلِّقَ بِالْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ عَلَى الرُّسْغِ لِيَكُونَ عَامِلًا بِالْحَدِيثَيْنِ، فَأَمَّا مَوْضِعُ الْوَضْعِ فَالْأَفْضَلُ عِنْدَنَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْأَفْضَلُ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الصَّدْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] قِيلَ الْمُرَادُ مِنْهُ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ عَلَى النَّحْرِ، وَهُوَ الصَّدْرُ وَلِأَنَّهُ مَوْضِعُ نُورِ الْإِيمَانِ فَحِفْظُهُ بِيَدِهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى الْعَوْرَةِ بِالْوَضْعِ تَحْتَ السُّرَّةِ، وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ وَالْخُشُوعُ زِينَةُ الصَّلَاةِ.

وَلَنَا حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَمَا رَوَيْنَا وَالسُّنَّةُ إذَا أُطْلِقَتْ تَنْصَرِفُ إلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ الْوَضْعُ تَحْتَ السُّرَّةِ أَبْعَدُ عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ وَأَقْرَبُ إلَى سِتْرِ الْعَوْرَةِ فَكَانَ أَوْلَى. وَالْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ وَانْحَرْ نَحْرُ الْأُضْحِيَّةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَئِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالنَّحْرِ الصَّدْرَ فَمَعْنَاهُ لِتَضَعَ بِالْقُرْبِ مِنْ النَّحْرِ وَذَلِكَ تَحْتَ السُّرَّةِ، ثُمَّ قَالَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ الِاعْتِمَادُ سُنَّةُ الْقِيَامِ، وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ هَذَا فِي الْمُصَلِّي، بَعْدَ التَّكْبِيرِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُرْسِلُ يَدَيْهِ فِي حَالَةِ الثَّنَاءِ فَإِذَا أَخَذَ فِي الْقِرَاءَةِ اعْتَمَدَ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرَةِ يَعْتَمِدُ.

قَالَ: (وَإِذَا قَعَدَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَيَجْعَلُهَا بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ وَيَقْعُدُ عَلَيْهَا وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى نَصْبًا وَيُوَجِّهُ أَصَابِعَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى نَحْوَ الْقِبْلَةِ) وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْقَعْدَتَيْنِ جَمِيعًا الْمَسْنُونُ أَنْ يَقْعُدَ مُتَوَرِّكًا وَذَلِكَ بِأَنْ يُخْرِجَ رِجْلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَيُفْضِي بِأَلْيَتَيْهِ إلَى الْأَرْضِ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ إذَا قَعَدَ فِي صَلَاتِهِ قَعَدَ مُتَوَرِّكًا»، وَالشَّافِعِيُّ يَقُولُ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى مِثْلَ قَوْلِنَا؛ لِأَنَّهَا لَا تَطُولُ، وَهُوَ يَحْتَاجُ إلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ أَقْرَبُ إلَى الِاسْتِعْدَادِ لِلْقِيَامِ، وَفِي الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ يَقُولُ قَوْلَ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ لِأَنَّهَا تَطُولُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقِيَامِ بَعْدَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِرًّا عَلَى الْأَرْضِ.

وَلَنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا وَصَفَتْ قُعُودَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ فَذَكَرَتْ أَنَّهُ: «كَانَ إذَا قَعَدَ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>