للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَوَّلِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ شَيْئَيْنِ، وَإِذَا انْعَدَمَ الْأَوَّلُ بِفِعْلِهِ صَارَ ضَامِنًا مِثْلَهُ، وَقَدْ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَيُجْعَلُ هَذَا الدَّقِيقُ حَادِثًا مِنْ مِلْكِهِ فَيَكُونُ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ يُجْعَلُ حَادِثًا بِفِعْلِهِ، وَفِعْلُهُ سَبَبٌ صَالِحٌ لِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيَصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِ، وَلَكِنْ بَيْنَ الدَّقِيقِ وَالْحِنْطَةِ شُبْهَةُ الْمُجَانَسَةِ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ، وَهُوَ أَنَّ عَمَلَ الطَّحْنِ صُورَةُ تَفْرِيقِ الْأَجْزَاءِ، وَبَابُ الرِّبَا مَبْنِيٌّ عَلَى الِاحْتِيَاطِ لِبَقَاءِ شُبْهَةِ الْمُجَانَسَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ جَرَى حُكْمُ الرِّبَا بِخِلَافِ الْقَطْعِ فِي الثَّوْبِ، وَالذَّبْحِ فِي الشَّاةِ، فَإِنَّ بِالذَّبْحِ لَا يَفُوتُ اسْمُ الْعَيْنِ يُقَالُ: شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ، وَشَاةٌ حَيَّةٌ، فَبَقِيَتْ مَمْلُوكَةً لِصَاحِبِهَا، ثُمَّ بِالسَّلْخِ وَالتَّأْرِيبِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَفُوتُ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّبْحِ بَلْ تَحَقُّقُ ذَلِكَ الْمَقْصُودِ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلُ تَبْدِيلِ الْعَيْنِ؛ فَلِهَذَا كَانَ لِصَاحِبِهَا أَنْ يَأْخُذَهَا، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ زُفَرَ لِلْغَاصِبِ أَنْ يَأْكُلَ هَذَا الدَّقِيقَ، وَيَنْتَفِعَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الضَّمَانَ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ حَادِثٌ بِكَسْبِهِ. وَفِي الِاسْتِحْسَانِ، وَهُوَ قَوْلُنَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَا مَا لَمْ يُؤَدِّ الضَّمَانَ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي، أَوْ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالضَّمَانِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ هَذِهِ أَجْزَاءُ مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ مُعْتَبَرَةٌ فِيمَا بُنِيَ عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَالْأَكْلُ مَبْنِيٌّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّمَا يَتِمُّ تَحَوُّلُ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إلَى الضَّمَانِ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ بِالْقَضَاءِ فَلِهَذَا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ إلَّا بَعْدَهُ.

(وَإِذَا) اسْتَهْلَكَ قُلْبَ فِضَّةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مِنْ الذَّهَبِ مَصُوغًا عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مِنْ جِنْسِهِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ لِلْجَوْدَةِ وَالصِّفَةِ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ قِيمَةً، وَعِنْدَنَا لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِجِنْسِهَا، فَلَوْ أَوْجَبْنَا مِثْلَ قِيمَتِهَا مِنْ جِنْسِهَا أَدَّى إلَى الرِّبَا، وَلَوْ أَوْجَبْنَا مِثْلَ وَزْنِهَا كَانَ فِيهِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَنْ الْجَوْدَةِ وَالصِّفَةِ، فَلِمُرَاعَاةِ حَقِّهِ وَالتَّحَرُّزِ عَنْ الرِّبَا قُلْنَا: يَضْمَنُ الْقِيمَةَ مِنْ الذَّهَبِ مَصُوغًا. وَإِنْ وَجَدَهُ صَاحِبُهُ مَكْسُورًا فَرَضِيَ بِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلُ مَا بَيْنَ الْمَكْسُورِ وَالصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ عَادَ إلَيْهِ عَيْنُ مَالِهِ فَبَقِيَتْ الصِّفَةُ مُنْفَرِدَةً عَنْ الْأَصْلِ، وَلَا قِيمَةَ لَهَا فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ لِلصِّفَةِ عِوَضًا كَانَ هَذَا فِي مَعْنَى مُبَادَلَةِ الْعَشَرَةِ بِأَحَدَ عَشَرَ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، وَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ وَيُسَلِّمَهُ إلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ النُّقْصَانُ بِالْكَسْرِ يَسِيرًا أَوْ فَاحِشًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَوَصَّلُ إلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِبْقَاءِ حَقِّهِ فِي الصِّفَةِ إلَّا بِذَلِكَ. وَكَذَلِكَ كُلُّ إنَاءٍ مَصُوغٍ كَسَرَهُ رَجُلٌ، فَإِنْ مِنْ فِضَّةٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَصُوغًا مِنْ الذَّهَبِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَصُوغًا مِنْ الْفِضَّةِ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الرِّبَا مَعَ مُرَاعَاةِ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ فِي الصِّفَةِ، فَإِنْ كَسَرَ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا فَعَلَيْهِ مِثْلُهُ؛ لِأَنَّهُ غَيَّرَهُ بِصُنْعِهِ، وَلَا يَتِمُّ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ صَاحِبِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>