للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصِّبْغِ لَهُ، وَهَذَا الْوَصْفُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ بِنَفْسِهِ مَقْصُودًا، وَدَفْعُ الضَّرَرِ وَاجِبٌ فَيَتَعَيَّنُ دَفْعُ الضَّرَرِ هُنَا بِإِيجَابِ الْمَغْصُوبِ حَقًّا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ لِيَتَوَصَّلَ هُوَ إلَى مَالِيَّةِ مِلْكِهِ، وَيَبْقَى حَقُّ صَاحِبِ الْوَصْفِ فِي الْوَصْفِ مَرْعِيًا، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ إلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِهِمَا إلَّا أَنَّ فِي الْإِضْرَارِ بِالْغَاصِبِ إهْدَارُ حَقِّهِ، وَفِي قَطْعِ حَقِّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ تَوْفِيرُ الْمَالِيَّةِ عَلَيْهِ لَا إهْدَارُ حَقِّهِ، وَدَفْعُ الضَّرَرِ وَاجِبٌ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ، وَضَرَرُ النَّقْلِ دُونَ ضَرَرِ الْإِبْطَالِ، وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْخَيْطِ وَاللَّوْحِ؛ وَلِهَذَا جَوَّزْنَا الرَّدَّ هَهُنَا؛ لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْغَاصِبِ، فَإِذَا رَضِيَ فَقَدْ الْتَزَمَ الضَّرَرَ، (فَإِنْ قِيلَ:) صَاحِبُ الثَّوْبِ صَاحِبُ أَصْلٍ، وَالْغَاصِبُ صَاحِبُ وَصْفٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مُرَاعَاةَ حَقِّ صَاحِبِ الْأَصْلِ أَوْلَى، وَلَمْ يَجُزْ لِحَقِّ صَاحِبِ الْوَصْفِ وَهُوَ جَانٍ. (قُلْنَا:) لِأَنَّ هَذَا الْوَصْفَ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَالْأَصْلُ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ كَانَ مِلْكًا لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ مَقْصُودًا، وَالْآنَ صَارَ تَبَعًا لِمِلْكِ غَيْرِهِ، وَالتَّبَعُ غَيْرُ الْأَصْلِ؛ وَلِهَذَا صَارَ بِحَيْثُ يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مَنْقُولًا لَا يُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ، وَانْعَدَمَ مِنْهُ سَائِرُ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ سِوَى هَذَا، فَعَرَفْنَا أَنَّهُ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَالْقَائِمُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَتَرَجَّحُ عَلَى مَا هُوَ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ مُسْتَهْلَكٍ مِنْ وَجْه، وَإِنَّمَا يَتَرَجَّحُ الْأَصْلُ إذَا كَانَ قَائِمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّاجَةِ، فَإِنَّهَا قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ صَالِحَةٌ لِمَا كَانَتْ صَالِحَةً لَهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ تُسْتَحَقُّ بِالشُّفْعَةِ كَمَا كَانَ مِنْ قَبْلُ؛ فَلِهَذَا رَجَّحْنَا هُنَاكَ اعْتِبَارَ حَقِّ صَاحِبِ السَّاجَةِ.

وَلَا يَدْخُلُ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا إذَا غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَّرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْغَاصِبِ فِي الثَّوْبِ وَصْفٌ قَائِمٌ مُتَقَوِّمٌ، وَالْقِصَارَةُ تُزِيلُ الدَّرَنَ وَالْوَسَخَ عَنْ الثَّوْبِ، ثُمَّ لَوْنُ الْبَيَاضِ وَصْفٌ أَصْلِيٌّ لِلْقُطْنِ.

وَلَا يُقَالُ: أَلَيْسَ أَنَّ الْقَصَّارَ يُحْبَسُ بِالْأَجْرِ.؟ (قُلْنَا:) نَعَمْ، وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ عَمَلِهِ فِي الْمَعْمُولِ لَا بِاعْتِبَارِ قِيَامِ الْوَصْفِ فِي الْعَمَلِ لِلْمَعْمُولِ بِعَمَلِهِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي مَسْأَلَةِ السَّاجَةِ أَنَّ مَوْضِعَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا أَدْخَلَ السَّاجَةَ فِي بِنَائِهِ بِأَنْ بَنَى حَوْلَهَا لَا عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِالْبِنَاءِ فِي مِلْكِهِ، فَأَمَّا إذَا بَنَى عَلَى السَّاجَةِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا الْبِنَاءِ، وَالسَّاجَةُ مِنْ وَجْهٍ كَالْأَصْلِ لِهَذَا الْبِنَاءِ فَيُهْدَمُ لِلرَّدِّ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ السَّاجَةِ، وَلَكِنْ هَذَا ضَعِيفٌ فَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّهُ لَوْ غَصَبَ بَقَرَةً، وَاِتَّخَذَ مِنْهَا عُرْوَةً مُزَادَةً انْقَطَعَ حَقُّ الْمَالِكِ عَنْهَا، وَهُوَ فِي الْعَمَلِ هُنَا مُتَعَدٍّ؛ لِأَنَّ عَمَلَهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ أَوْ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ، وَإِنَّ الصَّحِيحَ مَا قُلْنَا.

وَإِنْ غَصَبَ حِنْطَةً فَزَرَعَهَا ثُمَّ جَاءَ صَاحِبُهَا وَقَدْ أَدْرَكَ الزَّرْعُ أَوْ هُوَ بَقْلٌ فَعَلَيْهِ حِنْطَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>