افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ لَا شَرْطُ الْبَقَاءِ، فَإِنْ تَفَكَّرَ فِي ذَلِكَ تَفَكُّرًا شَغَلَهُ عَنْ رُكْنٍ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ وَقَدْ بَيَّنَّا
قَالَ: (وَإِذَا قَعَدَ الْمُصَلِّي فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ شَكَّ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ حَتَّى شَغَلَهُ ذَلِكَ عَنْ التَّسْلِيمِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ فَسَلَّمَ فَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ) لِتَأْخِيرِهِ السَّلَامَ، وَلِهَذَا قُلْنَا: أَوَانُ سُجُودِ السَّهْوِ مَا بَعْدَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ أَوَانُ وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ فَيُؤَخِّرُ الْأَدَاءَ عَنْهُ كَمَا قَبْلَ الْقَعْدَةِ، وَإِنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَمَا سَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ صَارَ خَارِجًا مِنْ الصَّلَاةِ، وَالثَّانِيَةُ لِتَعْمِيمِ الْقَوْمِ بِهَا فَلَمْ يَتَمَكَّنْ لَهُ سَهْوٌ فِي صَلَاتِهِ
قَالَ: (وَإِذَا أَحْدَثَ فِي صَلَاتِهِ فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ فَعَرَضَ لَهُ هَذَا الشَّكُّ حَتَّى شَغَلَهُ عَنْ وُضُوئِهِ سَاعَةً فَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ)؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ بَاقِيَةٌ بَعْدَ الْحَدَثِ، فَإِنَّمَا تَمَكَّنَ لَهُ هَذَا السَّهْوُ فِي صَلَاتِهِ.
قَالَ: (وَإِذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا وَسَهَا فِيهِمَا فَسَجَدَ لِسَهْوِهِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِمَا رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ)؛ لِأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ كَانَ سُجُودُهُ لِلسَّهْوِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ، فَإِنَّهُ يَقُومُ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ إنْ حَصَلَ سُجُودُ السَّهْوِ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ فَذَلِكَ لِمَعْنًى شَرْعِيٍّ لَا يُفْعَلُ مُبَاشَرَةً بِاخْتِيَارِهِ. وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ أَنَّ السَّلَامَ مُحَلِّلٌ ثُمَّ بِالْعَوْدِ إلَى سُجُودِ السَّهْوِ تَعُودُ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ لِلضَّرُورَةِ، وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى إكْمَالِ تِلْكَ الصَّلَاةِ لَا فِي صَلَاةٍ أُخْرَى، وَنِيَّةُ الْإِقَامَةِ عَمَلُهَا فِي وُجُوبِ إكْمَالِ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَيَظْهَرُ عَوْدُ الْحُرْمَةِ فِي حَقِّهَا، فَأَمَّا كُلُّ شَفْعٍ مِنْ التَّطَوُّعِ صَلَاةٌ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ تُعَدَّ الْحُرْمَةُ فِي حَقِّ صَلَاةٍ أُخْرَى، فَلِهَذَا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ: (رَجُلٌ صَلَّى الْعِشَاءَ فَسَهَا فِيهَا فَقَرَأَ آيَةَ التِّلَاوَةِ وَلَمْ يَسْجُدْهَا وَتَرَكَ سَجْدَةً مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَاهِيًا ثُمَّ سَلَّمَ، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا لِلْكُلِّ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ)؛ لِأَنَّ هَذَا سَلَامُ السَّهْوِ (وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِلصَّلَاتِيَّةِ حِينَ سَلَّمَ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ)؛ لِأَنَّهُ سَلَامُ عَمْدٍ (وَإِنْ كَانَ ذَاكِرًا لِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ نَاسِيًا لِلصَّلَاتِيَّةِ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ) أَيْضًا، وَرَوَى أَصْحَابُ الْإِمْلَاءِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَوَجْهُهُ أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ دُونَ الْأَرْكَانِ فَسَلَامُهُ فِيمَا هُوَ رُكْنُ سَلَامٍ، وَذَلِكَ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَوَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِوَاجِبٍ يُؤَدَّى قَبْلَ السَّلَامِ فَكَانَ سَلَامُهُ قَطْعًا لِصَلَاتِهِ، وَإِنَّمَا قَطَعَهَا قَبْلَ إتْمَامِ أَرْكَانِهَا، وَلِأَنَّا لَوْ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالصَّلَاتِيَّةِ لَزِمَنَا أَنْ نَقُولَ يَأْتِي بِسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ أَيْضًا لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ، وَلَا وَجْهَ إلَى ذَلِكَ فَقَدْ سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute