الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى مِقْدَارِ مَا يَزْعُمُ صَاحِبُهُ الْمُنْكِرُ مِنْ مِلْكِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
(ثَوْبٌ) فِي يَدَيْ رَجُلٍ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ثَوْبُهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ هَذَا، وَأَقَامَ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وَهَبَهُ لَهُ (فَقَالَ:) أَقْضِي لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ سَبَبَ الْمِلْكِ الْحَادِثِ لِنَفْسِهِ، وَصَاحِبُهُ يَنْفِي ذَلِكَ، وَلِأَنَّا نَجْعَلُ كَأَنَّ الْأَمْرَيْنِ كَانَا، وَالْهِبَةُ بَعْدَ الْغَصْبِ تَتَحَقَّقُ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبَيْعِ مِنْهُ بِثَمَنٍ مُسَمَّى أَوْ عَلَى إقْرَارِهِ أَنَّهُ ثَوْبُهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالْإِقْرَارَ بِالْمِلْكِ بَعْدَ الْغَصْبِ يَتَحَقَّقُ، فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَتَانِ جَمِيعًا.
(وَإِنْ) كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا جَمِيعًا فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ثَوْبُهُ غَصَبَهُ الْآخَرُ إيَّاهُ قَضَيْتُ بِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُثْبِتُ عَلَى صَاحِبِهِ أَنَّهُ غَصَبَ مَا فِي يَدِهِ مِنْهُ، وَفِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهُ فَكَانَ بَيِّنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا فِي يَدِ صَاحِبِهِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ؛ فَلِهَذَا قَضَى لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ.
فَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ثَوْبُهُ اسْتَوْدَعَهُ الْمَيِّتَ الَّذِي هَذَا وَارِثُهُ، وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ثَوْبُهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ الْمَيِّتُ قَضَيْتُ بِهِ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ فِي جَمِيعِ الثَّوْبِ أَنَّ وُصُولَهُ إلَى يَدِ الْمَيِّتِ كَانَ مِنْ جِهَتِهِ فَاسْتَوَيَا، وَلَا تَرَجُّحَ لِمُدَّعِي الْغَصْبِ فِي مَعْنَى الضَّمَانِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ لِلْآخَرِ ثَابِتٌ أَيْضًا، فَإِنَّ الْمُودِعَ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِلْوَدِيعَةِ يَكُونُ ضَامِنًا؛ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إثْبَاتُ الْمِلْكِ فِي الْعَيْنِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ مَعَ بَقَاءِ الْعَيْن، وَإِنْ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى دَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا أَنَّهَا مَالُهُ غَصَبَهَا إيَّاهُ الْمَيِّتُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِالْبَيِّنَةِ مِلْكَ الْعَيْنِ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّ الدَّرَاهِمَ تَتَعَيَّنُ فِي الْغَصْبِ؛ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ الْغَاصِبُ إمْسَاكَ الْعَيْنِ وَرَدَّ الْمِثْلِ، وَحَقُّ الْغَرِيمِ إنَّمَا كَانَ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ فَيَتَعَلَّقُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِمَالِهِ دُونَ مَالِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ.
وَإِنْ أَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ أَنْ هَذَا ثَوْبُهُ غَصَبَهُ ذُو الْيَدِ، وَأَقَامَ آخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ ذَا الْيَدِ أَقَرَّ بِهِ لَهُ أَقْضِي بِهِ لِلَّذِي أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ ثَوْبُهُ غَصَبَهُ إيَّاهُ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْمِلْكَ لِنَفْسِهِ بِالْبَيِّنَةِ، وَأَثْبَتَ أَنَّ ذَا الْيَدِ كَانَ غَاصِبًا، وَالْآخَرُ إنَّمَا أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ إقْرَارَ الْغَاصِبِ لَهُ بِالْمِلْكِ، وَإِقْرَارُ الْغَاصِبِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي الِاسْتِحْقَاقِ عَلَى الْمَالِكِ.
(رَجُلٌ) غَصَبَ ثَوْبَ رَجُلٍ فَأَوْدَعَهُ عِنْدَ آخَرَ فَهَلَكَ عِنْدَهُ فَلِصَاحِبِهِ أَنْ يُضَمِّنَهُ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ، فَإِنَّ الْمَالِكَ غَيْرُ رَاضٍ بِقَبْضِ الْمُودِعِ فَهُوَ كَالْغَاصِبِ فِي حَقِّهِ، فَإِنْ ضَمِنَ الْمُسْتَوْدِعُ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِمَا ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ فِي حِفْظِ الْعَيْنِ كَانَ عَامِلًا لَهُ، وَكَانَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ حِينَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ، وَأَنَّهُ لَا يَغْرَمُ شَيْئًا إنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْمُودَعَ إذَا رَدَّ الثَّوْبَ عَلَى الْغَاصِبِ أَوْ كَانَ غُصِبَ مِنْهُ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ هَلْ يَبْقَى لِلْمَالِكِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ.؟.
(وَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لِلْمَالِكِ عَلَيْهِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute