للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ الْخَمْرَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ، وَالْمَصِيرُ إلَى الْقِيمَةِ فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ أَدَاءِ الْمِثْلِ، وَذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ دُونَ النَّصْرَانِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَمْلِيكِ الْخَمْرِ مِنْ غَيْرِهِ بِعِوَضٍ؛ وَلِهَذَا جَازَتْ الْمُبَايَعَةُ بِالْخَمْرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَإِنْ أَسْلَمَ الطَّالِبُ بَعْدَ مَا قُضِيَ لَهُ بِمِثْلِهَا، فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْمُسْتَهْلِكِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ لَيْسَ بِمَالٍ مُتَقَوِّمٍ.

وَلَوْ احْتَبَسَ عَيْنَهَا عِنْدَ النَّصْرَانِيِّ لَهُ بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِهْلَاكِ لَمْ يُضَمِّنْهُ شَيْئًا، فَكَذَلِكَ إذَا احْتَبَسَ مَا صَارَ دَيْنًا مِنْهَا، وَلَكِنَّهُ بِإِسْلَامِهِ يَكُونُ مُبَرِّئًا لَهُ عَمَّا كَانَ لَهُ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ بِفِعْلِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي حَقِّهِ، وَمِنْ أَنْ يَكُونَ مُتَمَكِّنًا مِنْ قَبْضِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَسْلَمَا مَعًا؛ لِأَنَّ فِي إسْلَامِهِمَا إسْلَامَ الطَّالِبِ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْمَطْلُوبُ وَحْدَهُ أَوْ أَسْلَمَ الْمَطْلُوبُ ثُمَّ الطَّالِبُ فَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ الْجَوَابُ كَذَلِكَ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ رِوَايَةُ عَافِيَةَ وَزُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ عَلَى الْمَطْلُوبِ قِيمَةُ الْخَمْرِ. وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْإِسْلَامَ الطَّارِئَ بَعْدَ تَقَرُّرِ سَبَبِ الضَّمَانِ يُجْعَلُ كَالْمُقْتَرِنِ بِالسَّبَبِ. كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ الطَّارِئَ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُجْعَلُ كَالْمُقْتَرِنِ بِالْعَقْدِ، ثُمَّ اقْتِرَانُ إسْلَامِ الْمَطْلُوبِ بِغَصْبِ الْخَمْرِ وَاسْتِهْلَاكِهَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ إسْلَامِ الطَّالِبِ فَكَذَلِكَ الطَّارِئُ، وَهَذَا لِأَنَّ خَمْرَ الذِّمِّيِّ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا فِي يَدِ الْمُسْلِمِ، فَكَذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِ.

وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي إسْلَامِ الْمَطْلُوبِ مَعْنَى الْبَرَاءَةِ، وَأَمَّا خَمْرُ الْمُسْلِمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا فِي يَدِ الذِّمِّيِّ فَكَذَلِكَ فِي ذِمَّتِهِ فَكَانَ إسْلَامُهُ مُبَرَّئًا بِهَذَا الطَّرِيقِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَمْنَعُ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّتِهِ بَعْدَهُ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ أَصْلِ السَّبَبِ مُوجِبًا لِلْقِيمَةِ فِي الْإِسْلَامِ الْمُقَارَنِ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِهِ ضَمَانُ الْمِثْلِ، فَلَا تَجِبُ بِهِ الْقِيمَةُ أَيْضًا بِخِلَافِ النِّكَاحِ، فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَجِبُ قِيمَةُ الْخَمْرِ بَعْدَ إسْلَامِ أَحَدِهِمَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا؛ لِأَنَّ إسْلَامَ الطَّالِبِ مُبَرِّئٌ مِنْ حَيْثُ تَعَذُّرُ إبْقَائِهَا فِي الذِّمَّةِ أَوْ مَضْمُونًا فِي يَدِ الزَّوْجِ بَعْدَ إسْلَامِهِمَا، وَلَكِنْ هَذَا لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ ضَمَانِ الْقِيمَةِ بِأَصْلِ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْقِيمَةَ عِوَضٌ عَنْ الْبُضْعِ، وَشَرْطُ وُجُوبِهَا صِحَّةُ التَّسْمِيَةِ لِإِبْقَاءِ اسْتِحْقَاقِ الْمُسَمَّى، وَقَدْ كَانَتْ التَّسْمِيَةُ صَحِيحَةً حِينَ كَانَ الْمُسَمَّى مَالًا مُتَقَوِّمًا يَوْمئِذٍ وَأَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَقُولُ: تَعَذُّرُ قَبْضِ الْخَمْرِ الْمُسْتَحَقِّ فِي الذِّمَّةِ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ، فَلَا تَجِبُ الْقِيمَةُ كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الطَّالِبُ، وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ الْخَمْرُ بِالسَّبَبِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ، فَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقِيمَةِ بِاعْتِبَارِ أَصْلِ السَّبَبِ، وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ الْقِيمَةِ عِوَضًا عَمَّا كَانَ فِي الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا تَمْلِيكُ مَا فِي الذِّمَّةِ بِهَا. وَالذِّمِّيُّ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَمْلِيكِ الْخَمْرِ مِنْ الْمُسْلِمِ بِعِوَضِ كَمَا أَنَّ الْمُسْلِمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>