وَالْمُرَادُ: النِّسَاءُ، فَإِنْ كَانَ هُوَ مَنْهِيًّا عَنْ دَفْعِ مَالِ نَفْسِهِ إلَى امْرَأَتِهِ، فَمَا ظَنُّك فِي مَالِ غَيْرِهِ؟. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ: حِفْظُ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ، وَالْإِنْسَانُ يَحْفَظُ مَالَ نَفْسِهِ بِيَدِ مَنْ فِي عِيَالِهِ، عَلَى مَا قِيلَ: قِوَامُ الْعَالَمِ بِشَيْئَيْنِ: كَاسِبٍ يَجْمَعُ، وَسَاكِنَةٍ تَحْفَظُ، وَلِأَنَّهُ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْ هَذَا، فَإِنَّهُ إذَا خَرَجَ مِنْ دَارِهِ - فِي حَاجَتِهِ - لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْوَدِيعَةَ مَعَ نَفْسِهِ، وَإِذَا خَلَّفَهَا فِي دَارِهِ صَارَتْ فِي يَدِ امْرَأَتِهِ حُكْمًا، وَمَا لَا يُمْكِنُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ عَفْوٌ. وَذُكِرَ فِي جُمْلَةِ مَنْ فِي عِيَالِهِ: الْأَجِيرُ، وَالْمُرَادُ: التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي اسْتَأْجَرَهُ مُشَاهَرَةً، أَوْ مُسَانَهَةً، فَأَمَّا الْأَجِيرُ بِعَمَلٍ مِنْ الْأَعْمَالِ - كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ - يَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ.
فَإِذَا انْشَقَّ الْكِيسُ فِي صُنْدُوقِهِ؛ فَاخْتَلَطَ بِدَرَاهِمِهِ: فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِانْعِدَامِ الصُّنْعِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَلَوْ يُمْكِنُ تَقْصِيرٌ، فَذَلِكَ مِنْ الْمُودَعِ بِأَنْ جَعَلَ دَرَاهِمَ الْوَدِيعَةِ فِي كِيسٍ بَالٍ، وَلَكِنَّ الْمُخْتَلَطَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ مِلْكِهِمَا، فَإِنْ هَلَكَ بَعْضُهَا هَلَكَ مِنْ مَالِهَا جَمِيعًا وَيُقَسَّمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَنْ يَجْعَلَ الْهَالِكَ مِنْ نَصِيبِهِ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ، وَالْأَصْلُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ إذَا هَلَكَ شَيْءٌ مِنْهُ: أَنَّ مَا هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الشَّرِكَةِ، وَمَا بَقِيَ عَلَى الشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْهَالِكَ يُجْعَلُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.
(وَإِنْ) فَعَلَ ذَلِكَ إنْسَانٌ مِمَّنْ هُوَ فِي عِيَالِ الْمُودَعِ - مِنْ صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ، أَوْ مَمْلُوكٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ - فَلَا ضَمَانَ فِيهِ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ؛ لِانْعِدَامِ الْخَلْطِ مِنْهُ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، فَإِنَّ فِعْلَ مَنْ فِي عِيَالِهِ كَفِعْلِهِ فِيمَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ مِنْ جِهَتِهِ صَرِيحًا، أَوْ دَلَالَةً، وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْخَلْطِ، وَلَكِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الَّذِي خَلَطَهَا بِمُبَاشَرَةِ الْفِعْلِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ. وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الصَّغِيرَ مُؤَاخَذٌ بِضَمَانِ الْفِعْلِ، فَإِنَّ تَحَقَّقَ الْفِعْلُ بِوُجُودِهِ: لَا يَنْعَدِمُ بِالْحَجْرِ بِسَبَبِ الصِّغَرِ. ثُمَّ الْخَلْطُ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ: (خَلْطٌ) يَتَعَذَّرُ التَّمْيِيزُ بَعْدَهُ - كَخَلْطِ الشَّيْءِ بِجِنْسِهِ - فَهَذَا مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ بِهِ عَلَى الْمَالِكِ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ مِلْكِهِ. وَخَلْطٌ يَتَيَسَّرُ مَعَهُ التَّمْيِيزُ - كَخَلْطِ السُّودِ بِالْبِيضِ، وَالدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ - فَهَذَا لَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ؛ لِتَمَكُّنِ الْمَالِكِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى عَيْنِ مِلْكِهِ، فَهَذِهِ مُجَاوَرَةٌ - لَيْسَ بِخَلْطٍ -. وَخَلْطٌ يَتَعَسَّرُ مَعَهُ التَّمْيِيزُ - كَخَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ - فَهُوَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَى الْمَالِكِ الْوُصُولُ إلَى عَيْنِ مِلْكِهِ، إلَّا بِحَرَجٍ، وَالْمُتَعَسِّرُ كَالْمُتَعَذِّرِ - كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي الْغَصْبِ -.
(فَإِنْ قِيلَ): تَمْيِيزُ الْحِنْطَةِ مِنْ الشَّعِيرِ مُمْكِنٌ: بِأَنْ يُصَبَّ مِنْ مَاءٍ فَتَرَسَّبُ الْحِنْطَةُ، وَيَطْفُو الشَّعِيرُ، (قُلْنَا): فِي هَذَا إفْسَادٌ لِلْمَخْلُوطِ فِي الْحَالِ، ثُمَّ الْحِنْطَةُ لَا تَخْلُو عَنْ حَبَّاتِ الشَّعِيرِ، كَمَا لَا يَخْلُو الشَّعِيرُ عَنْ حَبَّاتِ الْحِنْطَةِ، فَمَا كَانَ مِنْ حَبَّاتِ الْحِنْطَةِ لِصَاحِبِ الشَّعِيرِ يَرْسُبُ، وَمَا كَانَ مِنْ حَبَّاتِ الشَّعِيرِ لِصَاحِبِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute