للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَا سَبَقَ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ إنَّمَا جَاءَ بِمِلْكِ نَفْسِهِ، فَوَضَعَهُ مَكَانَ مَا أَنْفَقَ، وَلِهَذَا لَا يَكُونُ عَوْدًا إلَى الْوِفَاقِ فِيمَا خَالَفَ فِيهِ، وَهُنَا إنَّمَا جَاءَ الْوَدِيعَةِ بِعَيْنِهَا، فَتَحَقَّقَ عَوْدُهُ إلَى الْوِفَاقِ، وَهَذَا أَوْلَى الْوَجْهَيْنِ " عِنْدِي "؛ فَإِنَّهُ لَوْ بَاعَهَا ثُمَّ ضَمِنَ قِيمَتَهَا، نَفَذَ الْبَيْعُ مِنْ جِهَتِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَنِدُ مِلْكُهُ بِالضَّمَانِ إلَى وَقْتِ وُجُوبِ الضَّمَانِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الرَّفْعُ لِلْبَيْعِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ، لَمْ يَسْتَنِدْ مِلْكُهُ إلَى تِلْكَ الْحَالَةِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْفُذَ بَيْعُهُ، وَالرِّوَايَةُ مَحْفُوظَةٌ فِي هَذَا الْكِتَابِ. وَفِي الْمُضَارَبَةِ أَنَّ الْبَيْعَ نَافِذٌ، فَعَرَفْنَا أَنَّ الْأَوْجَهَ هُوَ الطَّرِيقُ الثَّانِي.

وَإِذَا طَلَبَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ فَقَالَ الْمُسْتَوْدَعُ: قَدْ رَدَدْتُهَا عَلَيْك فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْأَمِينِ مَعَ الْيَمِينِ؛ لِإِنْكَارِهِ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ، وَإِخْبَارِهِ بِمَا هُوَ مُسَلَّطٌ عَلَيْهِ - وَهُوَ رَدُّ الْوَدِيعَةِ عَلَى صَاحِبِهَا - وَالْمُودِعُ هُوَ الَّذِي سَلَّطَهُ عَلَى ذَلِكَ، فَيُجْعَلُ قَوْلُهُ كَقَوْلِ الْمُسَلَّطِ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحْلَفُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ سُرِقَتْ أَوْ ضَاعَتْ، أَوْ ذَهَبَتْ وَقَالَ: لَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ أَخْبَرَ بِمَا هُوَ مُحْتَمَلٌ، وَلِأَنَّهُ يُنْكِرُ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ، وَالْمَالِكُ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ - وَهُوَ الْمَنْعُ بَعْدَ الطَّلَبِ - فَلَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ.

(وَاخْتَلَفَ) الْمُتَأَخِّرُونَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِيمَا إذَا قَالَ - ابْتِدَاءً -: لَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُوَ ضَامِنٌ لَهَا؛ لِأَنَّهُ جَهِلَهَا بِمَا قَالَ، وَالْمُودَعُ بِالتَّجْهِيلِ يَصِيرُ ضَامِنًا، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ: ذَهَبَتْ وَلَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ؛ لِأَنَّهُ بِقَوْلِهِ: ذَهَبَتْ، يُخْبِرُ بِهَلَاكِهَا، وَيَكْفِيهِ هَذَا الْمِقْدَارُ، فَلَا مُعْتَبَرَ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لَا أَدْرِي كَيْف ذَهَبَتْ. وَالْأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ مُخْبِرٌ بِهَلَاكِهَا، مُحْتَرِزٌ عَنْ الْكَذِبِ وَالْمُجَازَفَةِ فِي الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ: لَا أَدْرِي كَيْفَ ذَهَبَتْ؛ وَهَذَا لِأَنَّ أَصْلَ الذَّهَابِ مَعْلُومٌ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ - لَا مَحَالَةَ - وَإِنَّمَا التَّجْهِيلُ فِي كَيْفِيَّةِ الذَّهَابِ. وَالْإِخْبَارُ بِأَصْلِ الذَّهَابِ يَكْفِي فِي بَرَاءَتِهِ عَنْ الضَّمَانِ. وَإِنْ قَالَ: بَعَثْت بِهَا إلَيْك مَعَ رَسُولِي، وَسَمَّى بَعْضَ مَنْ فِي عِيَالِهِ: فَهُوَ كَقَوْلِهِ: رَدَدْتُهَا عَلَيْك؛ لِأَنَّ يَدَ مَنْ فِي عِيَالِهِ لَمَّا جَعَلَ كَيَدِهِ فِي الْحِفْظِ، فَكَذَلِكَ فِي الرَّدِّ: يَدُ مَنْ فِي عِيَالِهِ كَيَدِهِ؛ فَلَا يَصِيرُ بِهَذَا مُقِرًّا بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَيْهِ.

(وَإِذَا) قَالَ: بَعَثْت بِهَا إلَيْك مَعَ أَجْنَبِيٍّ: فَهُوَ ضَامِنٌ حَتَّى يُقَرَّ الْمُودِعُ بِوُصُولِهَا إلَيْهِ " عِنْدَنَا ". (قَالَ) ابْنُ أَبِي لَيْلَى - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ " عِنْدَهُ " لِلْمُودَعِ أَنْ يُودِعَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّهُ يَحْفَظُ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ مَالَهُ، وَقَدْ يُودِعُ الْإِنْسَانُ مَالَ نَفْسِهِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، فَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يُودِعَ الْوَدِيعَةَ مِنْ غَيْرِهِ؛ فَلَا يَصِيرُ ضَامِنًا بِالدَّفْعِ إلَى غَيْرِهِ لِيَحْفَظَ، أَوْ يَرُدَّ - كَمَا فِي حَقِّ مَنْ فِي عِيَالِهِ - " وَعِنْدَنَا ": لَيْسَ لِلْمُودَعِ أَنْ يُودِعَ غَيْرَهُ؛ لِأَنَّ الْحِفْظَ يَتَفَاوَتُ فِيهِ النَّاسُ، وَالْمُودِعُ إنَّمَا رَضِيَ بِحِفْظِهِ وَأَمَانَتِهِ دُونَ غَيْرِهِ، فَإِذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>