للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كِتَابُ الشَّرِكَةِ) (قَالَ) الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْأَجَلُّ الزَّاهِدُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ، وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي سَهْلٍ السَّرَخْسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إمْلَاءً: الْأَصْلُ فِي جَوَازِ الشَّرِكَةِ مَا رُوِيَ «أَنَّ السَّائِبَ بْنَ شَرِيكٍ جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَتَعْرِفُنِي؟ فَقَالَ: وَكَيْفَ لَا أَعْرِفُكَ، وَكُنْتَ شَرِيكِي، وَكُنْتَ خَيْرَ شَرِيكٍ لَا تُدَارِي، وَلَا تُمَارِي.» أَيْ: لَا تُدَاجِي، وَلَا تُخَاصِمُ. وَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّاسُ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَأَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَعَامَلَهُ النَّاسُ مِنْ بَعْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مُنْكِرٍ.

(ثُمَّ) الشَّرِكَةُ نَوْعَانِ: شَرِكَةُ الْمِلْكِ وَشَرِكَةُ الْعَقْدِ. (فَشَرِكَةُ الْمِلْكِ) أَنْ يَشْتَرِكَ رَجُلَانِ فِي مِلْكِ مَالٍ، وَذَلِكَ نَوْعَانِ: ثَابِتٌ بِغَيْرِ فِعْلِهِمَا كَالْمِيرَاثِ، وَثَابِتٌ بِفِعْلِهِمَا، وَذَلِكَ بِقَبُولِ الشِّرَاءِ، أَوْ الصَّدَقَةِ أَوْ الْوَصِيَّةِ. وَالْحُكْمُ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ مَا يَتَوَلَّدُ مِنْ الزِّيَادَةِ يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْأَجْنَبِيِّ فِي التَّصَرُّفِ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ.

(وَأَمَّا شَرِكَةُ الْعَقْدِ) فَالْجَائِزُ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: الْمُفَاوَضَةُ، وَالْعَنَانُ، وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ، وَشَرِكَةُ التَّقَبُّلِ. وَيُسَمَّى هَذَا شَرِكَةُ الْأَبْدَانِ، وَشَرِكَةُ الصَّنَائِعِ. (فَأَمَّا الْعَنَانُ) فَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِ الْقَائِل: عَنَّ لِي كَذَا أَيْ عَرَضَ. قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:

فَعَنَّ لَنَا سِرْبٌ كَأَنَّ نِعَاجَهُ ... عَذَارَى دُوَارٍ فِي مُلَاءٍ مُذَبَّلِ

أَيْ: عَرَضَ، وَزَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْكُوفَةِ أَنَّ هَذَا شَيْءٌ أَحْدَثَهُ أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ الْعَرَبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَقَدْ قَالَ النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ:

وَشَارَكْنَا قُرَيْشًا فِي نَقَاهَا ... وَفِي أَحْسَابِهَا شَرَكُ الْعَنَانِ

(وَقِيلَ): هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ عَنَانِ الدَّابَّةِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ رَاكِبَ الدَّابَّةِ يُمْسِكُ الْعَنَانَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ، وَيَعْمَلُ بِالْأُخْرَى، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَجْعَلُ عَنَانَ التَّصَرُّفِ فِي بَعْضِ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ دُونَ الْبَعْضِ، أَوْ عَلَى مَعْنَى أَنَّ لِلدَّابَّةِ عَنَانَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَطْوَلُ، وَالْآخَرُ أَقْصَرُ، فَيَجُوزُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>