للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَلَّى صَلَاةَ الْمُسَافِرِ)؛ لِأَنَّهُ مَنْ عَزَمَ عَلَى الِانْصِرَافِ إلَى أَهْلِهِ فَقَدْ صَارَ مُقِيمًا، وَبَعْدَمَا صَارَ مُقِيمًا فِي صَلَاتِهِ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا فِيهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ يَصِحُّ، وَالْمُقِيمُ فِي السَّفِينَةِ إذَا جَرَتْ بِهِ السَّفِينَةُ لَا يَصِيرُ مُسَافِرًا فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ عَمَلٌ وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ تَمْنَعُهُ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْعَمَلِ، فَأَمَّا الْإِقَامَةُ تَرْكُ السَّفَرِ، وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ لَا تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا تَكَلَّمَ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ وَهُوَ مُتَوَجِّهٌ أَمَامَهُ عَلَى عَزْمِ السَّفَرِ فَصَارَ مُسَافِرًا، وَالْأَصْلُ أَنَّ النِّيَّةَ مَتَى تَجَرَّدَتْ عَنْ الْعَمَلِ لَا تَكُونُ مُؤَثِّرَةً، فَإِذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ فَقَدْ اقْتَرَنَتْ النِّيَّةُ بِعَمَلِ الْإِقَامَةِ فَصَارَ مُقِيمًا، وَإِذَا نَوَى السَّفَرَ فَقَدْ تَجَرَّدَتْ النِّيَّةُ عَنْ الْعَمَلِ مَا لَمْ يَخْرُجْ فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا، وَهُوَ نَظِيرُ مَا لَوْ نَوَى فِي عَبْدِ التِّجَارَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْخِدْمَةِ صَارَ لِلْخِدْمَةِ، وَلَوْ نَوَى فِي عَبْدِ الْخِدْمَةِ أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ لَا يَصِيرُ لَهَا مَا لَمْ يَتَّجِرْ فِيهِ.

قَالَ: (مُسَافِرٌ صَلَّى فِي سَفَرِهِ أَرْبَعًا أَرْبَعًا، فَإِنْ كَانَ قَعَدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَالْأُخْرَيَانِ تَطَوُّعٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْعُدْ فَصَلَاتُهُ فَاسِدَةٌ عِنْدَنَا)، وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يُعِيدُ مَا دَامَ فِي الْوَقْتِ عَلَى كُلِّ حَالٍّ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَكَانَ الْأَرْبَعُ فَرْضًا لَهُ، وَهُوَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ عَزِيمَةٌ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رُخْصَةٌ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ} [النساء: ١٠١] فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْفَرْضِ أَرْبَعٌ وَالْقَصْرُ رُخْصَةٌ، «وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ الْوَابِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَا بَالُنَا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ، وَلَا نَخَافُ شَيْئًا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنْ خِفْتُمْ} [النساء: ١٠١] فَقَالَ: أَشْكَلَ عَلَيَّ مَا أَشْكَلَ عَلَيْكَ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: إنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ» فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ، وَإِنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - كَانَتْ تُتِمُّ الصَّلَاةَ فِي السَّفَرِ وَعُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صَلَّى بِعَرَفَاتٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَاعْتَبَرَ الصَّلَاةَ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّ السَّفَرَ مُؤَثِّرٌ فِيهَا، ثُمَّ الْفِطْرُ رُخْصَةٌ وَمَنْ صَامَ فِي السَّفَرِ كَانَ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ فَكَذَلِكَ الْقَصْرُ فِي الصَّلَاةِ.

(وَلَنَا) حَدِيثُ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَالَتْ: فُرِضَتْ الصَّلَاةُ فِي الْأَصْلِ رَكْعَتَيْنِ إلَّا الْمَغْرِبَ، فَإِنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ ثُمَّ زِيدَتْ فِي الْحَضَرِ وَأُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ عَلَى مَا كَانَتْ، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: صَلَاةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ تَامٌّ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: صَلَاةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ مَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ فَقَدْ كَفَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: صَلَاةُ الْمُسَافِرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>