للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَجُوزُ، أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلِأَنَّ شَرِكَةَ الْمِلْكِ عَلَى مَذْهَبِهِ أَصْلٌ، وَفِي شَرِكَةِ الْمِلْكِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ رِبْحِ مِلْكِ صَاحِبِهِ، فَكَذَلِكَ فِي شَرِكَةِ الْعَقْدِ، وَاعْتَبَرَ الرِّبْحَ بِالْوَضِيعَةِ، فَهِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا، وَاشْتِرَاطُهُمَا خِلَافَ ذَلِكَ بَاطِلٌ، فَكَذَلِكَ الرِّبْحُ. وَلَكِنَّا نَقُولُ: اسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ بِالشَّرْطِ.

فَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَدْرِ مَا شَرَطَ لَهُ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ». ثُمَّ جَوَازُ هَذَا الْعَقْدِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ، وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى هَذَا الشَّرْطِ، فَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ مِنْ الْآخَرِ فِي وُجُوهِ التِّجَارَةِ؛ فَلَا يَرْضَى بِأَنْ يُسَاوِيَهُ صَاحِبُهُ فِي اسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ مَعَ حَذَاقَتِهِ، وَخِرَقِ صَاحِبِهِ. ثُمَّ الرِّبْحُ يُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ بِدُونِ الْمَالِ - وَهُوَ فِي الْمُضَارَبَةِ - فَبِالْعَمَلِ مَعَ الْمَالِ أَوْلَى. (ثُمَّ) الْوَضِيعَةُ هَلَاكُ جُزْءٍ مِنْ الْمَالِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَمِينٌ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ، وَاشْتِرَاطُ الضَّمَانِ عَلَى الْأَمِينِ بَاطِلٌ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْمُضَارَبَةِ لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ شَيْءٍ مِنْ الْوَضِيعَةِ عَلَى الْمُضَارِبِ، وَلِهَذَا يَقُولُ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ التَّسَاوِيَ فِي الرِّبْحِ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي رَأْسِ الْمَالِ لَا يَجُوزُ هُنَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ إنَّمَا يَجُوزُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ صَاحِبَ الْأَلْفَيْنِ يَشْتَرِطُ جُزْءًا مِنْ الرِّبْحِ لِلْآخَرِ بِعَمَلِهِ فِيهِ، وَمِثْلُ هَذَا فِي الْمُضَارَبَةِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمَالَ فِي أَيْدِيهِمَا هُنَا، وَالْعَمَلُ مَشْرُوطٌ عَلَيْهِمَا، وَفِي الْمُضَارَبَةِ لَوْ شُرِطَ الْعَمَلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، أَوْ كَوْنُ الْمَالِ فِي يَدِهِ: لَا يَجُوزُ، وَلَكِنَّا نَقُولُ مُوجَبُ الْمُضَارَبَةِ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمُضَارِبِ وَبَيْنَ رَأْسِ الْمَالِ؛ فَيَكُونُ أَمِينًا عَامِلًا فِيهِ، وَذَلِكَ يَنْعَدِمُ بِهَذَا الشَّرْطِ. فَأَمَّا مُوجَبُ الشَّرِكَةِ لَيْسَ هُوَ التَّخْلِيَةُ بَيْنَ أَحَدِهِمَا وَالْمَالِ، فَهَذَا الشَّرْطُ لَا يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ مُوجَبِ الشَّرِكَةِ. (ثُمَّ) حُكْمُ الْمُضَارَبَةِ هُنَا ثَبَتَ تَبْعًا لِلشَّرِكَةِ، وَقَدْ يَثْبُتُ الشَّيْءُ حُكْمًا عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ إثْبَاتُهُ قَصْدًا كَالْكَفَالَةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْمُفَاوَضَةِ. وَكَذَلِكَ فِي الْعَمَلِ بِأَيْدِيهِمَا يَجُوزُ شَرْطُ التَّفَاضُلِ فِي الرِّبْحِ " عِنْدَنَا " لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ؛ فَقَدْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَحْذَقَ فِي الْعَمَلِ مِنْ الْآخَرِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: أَوْ فِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ شِرَاءُ شَيْءٍ بِتَأْخِيرٍ، فَهُوَ إشَارَةٌ إلَى شَرِكَةِ الْوُجُوهِ، فَإِنَّ التَّفَاضُلَ فِي الرِّبْحِ هُنَاكَ لَا يَجُوزُ عِنْدَ اشْتِرَاطِ التَّسَاوِي فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ.

قَالَ: (وَالشَّرِيكَانِ فِي الْعَمَلِ إذَا غَابَ أَحَدُهُمَا، أَوْ مَرِضَ، أَوْ لَمْ يَعْمَلْ، وَعَمِلَ الْآخَرُ: فَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا اشْتَرَطَا)؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: أَنَا أَعْمَلُ فِي السُّوقِ، وَلِي شَرِيكٌ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَعَلَّكَ بَرَكَتُكَ مِنْهُ». وَالْمَعْنَى أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ بِتَقَبُّلِ الْعَمَلِ - دُونَ مُبَاشَرَتِهِ - وَالتَّقَبُّلُ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>