عَمَلِهِ عَلَى شَرِيكِهِ؟ (قُلْنَا): اسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ بِطَرِيقِ الشَّرِكَةِ لَا بِطَرِيقِ الْإِجَارَةِ، وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ تَسْمِيَةُ مِقْدَارِ الْعَمَلِ، وَلَا بَيَانُ الْمُدَّةِ، وَالْعَامِلُ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ لَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَجْرِ بِنَفْسِ الْعَمَلِ. فَإِذًا الْعَامِلُ فِيمَا هُوَ شَرِيكٌ فِيهِ يَسْتَحِقُّ الرِّبْحَ بِالشَّرْطِ فِي عَقْدٍ صَحِيحٍ، وَإِنْ اشْتَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ لَمْ تَجُزْ الشَّرِكَةُ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ شَرَطَ لِصَاحِبِهِ جُزْءًا مِنْ رِبْحِ مَالِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِ رَأْسُ مَالٍ، أَوْ عَمَلٍ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ فَإِنَّ اسْتِحْقَاقَ الرِّبْحِ بِاعْتِبَارِ الْعَمَلِ وَالْمَالِ، أَوْ الْعَمَلِ، أَوْ الضَّمَانِ، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الْأَلْفِ فِي مَالِ صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ؛ فَكَانَ اشْتِرَاطُهُ جُزْءًا مِنْ الرِّبْحِ لَهُ بَاطِلًا، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رُءُوسِ أَمْوَالِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ لَمْ يَطْمَعْ فِي شَيْءٍ مِنْ رِبْحِ مَالِ صَاحِبِ الْأَلْفَيْنِ حِينَ لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ.
قَالَ: (وَإِذَا أَقْعَدَ الصَّانِعُ مَعَهُ رَجُلًا فِي دُكَّانِهِ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ فَهُوَ فَاسِدٌ فِي الْقِيَاسِ)؛ لِأَنَّ رَأْسَ مَالِ صَاحِبِ الدُّكَّانِ مَنْفَعَةٌ وَالْمَنَافِعُ لَا تَصْلُحُ أَنْ تُجْعَلَ رَأْسَ مَالٍ فِي الشَّرِكَةِ، وَلِأَنَّ الْمُتَقَبِّلَ لِلْعَمَلِ، إنْ كَانَ صَاحِبَ الدُّكَّانِ، فَالْعَامِلُ أَجِيرُهُ بِالنِّصْفِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالْجَهَالَةُ تُفْسِدُ عَقْدَ الْإِجَارَةِ، وَإِنْ كَانَ الْمُتَقَبِّلُ هُوَ الْعَامِلَ، فَهُوَ مُسْتَأْجَرٌ لِمَوْضِعِ جُلُوسِهِ مِنْ دُكَّانِهِ بِنِصْفِ مَا يَعْمَلُ، وَذَلِكَ مَجْهُولٌ، إلَّا أَنَّهُ اسْتَحْسَنَ؛ فَأَجَازَ هَذَا لِكَوْنِهِ مُتَعَامَلًا بَيْنَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مُنْكَرٍ، وَفِي نَزْعِ النَّاسِ عَمَّا تَعَامَلُوا بِهِ نَوْعُ حَرَجٍ؛ فَلِدَفْعِ هَذَا الْحَرَجِ يَجُوزُ هَذَا الْعَقْدُ؛ إذْ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ يُبْطِلُهُ. وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى هَذَا الْعَقْدِ، فَالْعَامِلُ قَدْ يَدْخُلُ بَلْدَةً لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُهَا، وَلَا يَأْمَنُونَهُ عَلَى مَتَاعِهِمْ، وَإِنَّمَا يَأْمَنُونَ عَلَى مَتَاعِهِمْ صَاحِبَ الدُّكَّانِ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ. وَصَاحِبُ الدُّكَّانِ لَا يَتَبَرَّعُ بِمِثْلِ هَذَا عَلَى الْعَامِلِ فِي الْعَادَةِ. فَفِي تَصْحِيحِ هَذَا الْعَقْدِ تَحْصِيلُ مَقْصُودِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ يَصِلُ إلَى عِوَضِ عَمَلِهِ، وَالنَّاسُ يَصِلُونَ إلَى مَنْفَعَةِ عَمَلِهِ، وَصَاحِبُ الدُّكَّانِ يَصِلُ إلَى عِوَضِ مَنْفَعَةِ دُكَّانِهِ؛ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ وَيَطِيبُ الْفَضْلُ لِرَبِّ الدُّكَّانِ؛ لِأَنَّهُ أَقْعَدَهُ فِي دُكَّانِهِ وَأَعَانَهُ بِمَتَاعِهِ. وَرُبَّمَا يُقِيمُ بَعْضَ الْعَمَلِ أَيْضًا كَالْخَيَّاطِ يَتَقَبَّلُ الْمَتَاعَ، وَيَلِي قَطْعَهُ، ثُمَّ يَدْفَعُهُ إلَى آخَرَ بِالنِّصْفِ؛ فَلِهَذَا يَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ. وَجَوَازُ هَذَا الْعَقْدِ كَجَوَازِ عَقْدِ السَّلَمِ، فَإِنَّ الشَّرْعَ رَخَّصَ فِيهِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهِ.
قَالَ: (وَلَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ)، وَاعْلَمْ بِأَنَّ الشَّرِكَةَ بِالنُّقُودِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ جَائِزَةٌ، وَلَا تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالتِّبْرِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ. وَقَدْ ذُكِرَ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ أَنَّ مَنْ اشْتَرَى بِتِبْرٍ بِعَيْنِهِ شَيْئًا، فَهَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ. فَقَدْ جَعَلَ التِّبْرَ كَالنُّقُودِ، حَتَّى قَالَ: لَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْعُرْفِ فِي كُلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute