الْفَصْلِ، وَيَسْتَوِي إنْ كَانَ الَّذِي شَارَكَهُ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ أَوْ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الشَّرِكَةِ وَاحِدٌ فَلَا يُمْكِنُ التُّهْمَةُ فِيهِ بِسَبَبِ الْقَرَابَةِ.
(وَذَكَرَ) الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا - أَنَّ أَحَدَ شَرِيكَيْ الْعَنَانِ إذَا شَارَكَ إنْسَانًا آخَرَ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ شَرِيكِهِ؛ تَصِحُّ مُفَاوَضَتُهُ وَتَبْطُلُ بِهِ شَرِكَتُهُ مَعَ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ شَرِيكِهِ؛ لَمْ تَصِحَّ مُفَاوَضَتُهُ لِأَنَّ مُبَاشَرَتَهُ الْمُفَاوَضَةَ مَعَ الثَّانِي نَقْصٌ مِنْهُ لِشَرِكَةِ الْعَنَانِ مَعَ الْأَوَّلِ، فَإِنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا لَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِهِ، وَنَقْضُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ الشَّرِكَةَ بِمَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ صَحِيحٌ، وَبِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ بَاطِلٌ.
قَالَ: (وَإِذَا أَجَّرَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ نَفْسَهُ لِحِفْظِ شَيْءٍ أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ، أَوْ عَمَلٍ مَعْلُومٍ بِأَجْرٍ، وَاكْتَسَبَ بِهَذَا الطَّرِيقِ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ لِتَقَبُّلِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَهُوَ صَحِيحٌ مِنْهُ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ) فَمَا يَكْتَسِبُ بِهِ يَكُونُ بَيْنَهُمَا، وَيُجْعَلُ فِعْلُ أَحَدِهِمَا فِيهِ كَفِعْلِهِمَا - بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَّرَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ -؛ لِأَنَّ الْبَدَلَ هُنَاكَ يَسْتَوْجِبُهُ بِتَسْلِيمِ النَّفْسِ، وَنَفْسُهُ لَيْسَتْ مِنْ شَرِكَتِهِمَا، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ أَجَّرَ عَبْدًا لَهُ مِيرَاثًا، وَأَمَّا شَرِيكُ الْعَنَانِ إذَا اكْتَسَبَ بِتَقَبُّلِ الْعَمَلِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ شَرِكَتِهِمَا؛ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً، وَلِأَنَّهُ وَكِيلُ صَاحِبِهِ فِي التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ، وَتَقَبُّلُ هَذَا الْعَمَلِ لَيْسَ بِتَصَرُّفٍ مِنْهُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ، وَكَانَ شَرِيكُهُ فِي ذَلِكَ كَأَجْنَبِيٍّ آخَرَ.
قَالَ: (وَلِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدًا مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ بِدَيْنٍ مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ، وَبِدَيْنٍ عَلَيْهِ خَاصَّةً مِنْ مَهْرٍ أَوْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الرَّهْنِ قَضَاءُ الدَّيْنِ، فَإِنَّ مُوجَبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ. وَلَهُ أَنْ يُوَفِّيَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ هَذَا الدَّيْنَ، وَكَذَلِكَ يَرْهَنُ بِهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ حَتَّى صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِلدَّيْنِ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ شَرِكَتِهِمَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ خَاصَّةً يَرْجِعُ شَرِيكُهُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ مِنْ مَالٍ مُشْتَرَكٍ. وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ. فَإِنَّ لِأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ أَنْ يُودِعَ، وَلِأَنَّ الْأَبَ لَوْ رَهَنَ بِدَيْنِ الْوَلَدِ عَيْنًا قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا لِلزِّيَادَةِ، وَكَذَلِكَ الْمُفَاوِضُ، وَإِنْ رَهَنَ عَبْدًا لَهُ خَاصَّةً بِدَيْنٍ مِنْ الْمُفَاوَضَةِ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ فَهَلَكَ؛ فَهُوَ بِمَا فِيهِ، وَيَرْجِعُ بِنِصْفِهِ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَاضِيًا دَيْنَ الْمُفَاوَضَةِ بِخَالِصِ مِلْكِهِ، وَهُوَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَكِيلٌ عَنْهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّى مِنْ دَيْنِهِ مِنْ خَالِصِ مِلْكِهِ. قَالَ: (وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ تِجَارَتِهِمَا عَلَى رَجُلٍ فَارْتَهَنَ أَحَدُهُمَا بِهِ رَهْنًا؛ جَازَ) سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الَّذِي وَلِيَ الْمُبَايَعَةَ أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute