للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبْطَالَ هَذَا الْحَقِّ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّ مَالِيَّةَ نِصْفِ الْعَبْدِ عَرَفْنَاهُ حَقًّا لَهُ، وَالْمُقِرُّ يُرِيدُ إسْقَاطَ حَقِّهِ بِمَا ذَكَرُ، فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَعَلَى الْمُنْكِرِ الْيَمِينُ، فَإِذَا حَلَفَ كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ الْعَبْدَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الشَّرِيكِ؛ لِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ بِاخْتِيَارِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَذَلِكَ مُوجَبُ بَرَاءَةِ الْمُعْتَقِ عَنْ الضَّمَانِ بِالْبَرَاءَةِ. قَالَ: (فَإِنْ قَالَ: قَدْ كُنْت اخْتَرْت ضَمَانَك؛ فَقَدْ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ بِالْبَرَاءَةِ) لِأَنَّهُ حَقُّهُ تَقَرَّرَ فِي ذِمَّتِهِ بِزَعْمِهِ، وَبَرِئَ الْعَبْدُ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ صَارَ مُبَرِّئًا شَرِيكَهُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ شَرِكَةٍ. وَإِنْ قَالَ: مَا كُنْت اخْتَرْت شَيْئًا فَأَنَا عَلَى خِيَارِي؛ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْخِيَارَ كَانَ ثَابِتًا لَهُ، وَالِاخْتِيَارُ حَادِثٌ مِنْ قِبَلِهِ، فَإِذَا أَنْكَرَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَلَكِنْ لَهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ الْعَبْدَ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَضْمَنَ الشَّرِيكَ لِأَجْلِ الْبَرَاءَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ تَقَرَّرَ ضَمَانُ نَصِيبِهِ فِي ذِمَّتِهِ بِاخْتِيَارِهِ تَضْمِينَهُ؛ سَقَطَ ذَلِكَ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الْبَرَاءَةِ فَقِيلَ: تَقَرُّرُ الضَّمَانِ لَأَنْ يَسْتَفِيدَ الْبَرَاءَةَ مِنْهُ بِالْإِشْهَادِ عَلَى الْبَرَاءَةِ أَوْلَى. وَإِذَا سَقَطَ حَقُّهُ فِي تَضْمِينِهِ تَعَيَّنَ فِي اسْتِسْقَاءِ الْعَبْدِ - كَمَا لَوْ أَعْتَقَهُ بِرِضَاهُ - وَإِنْ أَقَامَ الْمُقِرُّ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ اخْتَارَ ضَمَانَهُ جُعِلَ وَالثَّابِتُ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ؛ فَيَبْرَأُ هُوَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا شَيْءَ عَلَى الْعَبْدِ. وَإِنْ قَالَ الشَّرِيكُ: لَمْ يُعْتِقْهُ إلَّا بَعْدَ الْفُرْقَةِ؛ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ حَادِثٌ، فَيُحَالُ بِهِ عَلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ، وَلَا يُصَدَّقُ الْمُقِرُّ فِي الْإِسْنَادِ إلَّا بِحُجَّةٍ، فَإِنْ أَقَامَ الْمُعْتَقُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي الْمُفَاوَضَةِ، وَضَمِنَ لَهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ، وَأَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ، وَاخْتَارَ سِقَايَةَ الْعَبْدِ؛ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُعْتَقِ، وَبَرِئَ هُوَ وَالْعَبْدُ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ، لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بَيِّنَتَهُ بِسَبْقِ التَّارِيخِ فِي الْإِعْتَاقِ، وَأَبْقَى مَا لَزِمَهُ مِنْ الضَّمَانِ بِهِ، وَالشَّرِيكَ بِبَيِّنَتِهِ يَبْغِي ذَلِكَ - وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ - فَيَتَرَجَّحُ بِزِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ.

قَالَ: (وَلَوْ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَاتَبَ عَبْدًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ فِي الشَّرِكَةِ وَقَبَضَهَا مِنْهُ وَمَاتَ الْعَبْدُ؛ فَقَدْ دَخَلَ فِيمَا بَرِئْت إلَيْك مِنْهُ، وَقَالَ الْآخَرُ: بَلْ كَاتَبْته بَعْدَ الْفُرْقَةِ) فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي لَمْ يُكَاتَبْ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ يَدَّعِي سَبْقَ التَّارِيخِ فِي عَقْدِهِ، فَلَا يُصَدَّقْ إلَّا بِحُجَّةٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى عِلْمِهِ، فَإِذَا حَلَفَ يَأْخُذُ نِصْفَ الْأَلْفِ مِنْ الْمُقِرِّ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ كَسْبِ الْعَبْدِ، وَقَدْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ. وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا كَثِيرًا، فَقَالَ الْمُكَاتِبُ: كَاتَبْتُهُ بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَأَنَا وَارِثُهُ، وَقَالَ الْآخَرُ: كَاتَبْته فِي الْمُفَاوَضَةِ وَنَحْنُ وَارِثَاهُ جَمِيعًا، وَلَمْ يَرُدَّ الْمُكَاتَبُ شَيْئًا بَعْدُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي لَمْ يُكَاتِبْ، لِأَنَّ مِلْكَهُ فِي نِصْفِ الْمُكَاتَبِ كَانَ ظَاهِرًا، وَذَلِكَ يُوجِبُ الْمِلْكَ لَهُ فِي نِصْفِ الْكَسْبِ، فَالشَّرِيكُ بِمَا قَالَ يَدَّعِي بِمِلْكِ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، وَهُوَ مُنْكِرٌ ذَلِكَ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>