ذَبَحَ تِلْكَ الشَّاةَ ثُمَّ ذَبَحَ شَاةً أُخْرَى بَعْدَهَا فَظَنَّ أَنَّ تِلْكَ التَّسْمِيَةَ تَكْفِيهِ لَا يَحِلُّ، وَالسَّهْمُ إذَا أَصَابَ ذَلِكَ الصَّيْدَ وَغَيْرَهُ. أَوْ أَخَذَ الْكَلْبُ فِي فَوْرِهِ ذَلِكَ الصَّيْدَ وَغَيْرَهُ حَلَّ الْأَكْلُ، وَجَهْلُهُ لَيْسَ نَظِيرَ النِّسْيَانِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْجَهْلَ بِالْحُكْمِ لَا يَمْنَعُ حُصُولَ الْفِطْرِ بِخِلَافِ النِّسْيَانِ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَظَرَ إلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ وَأَخَذَ السِّكِّينَ وَسَمَّى ثُمَّ أَخَذَ شَاةً مِنْهَا وَذَبَحَهَا بِتِلْكَ التَّسْمِيَةِ لَا يَحِلُّ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّيُودِ وَسَمَّى فَأَخَذَ أَحَدُهَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِي الِاصْطِيَادِ لَيْسَ فِي وُسْعِهِ، وَالتَّعْيِينُ فِي الذَّبْحِ فِي وُسْعِهِ.
قَالَ: (وَلَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ، وَلَمْ يُسَمِّ عَمْدًا ثُمَّ زَجَرَهُ وَسَمَّى فَانْزَجَرَ، وَأَخَذَ الصَّيْدَ لَمْ يَحِلَّ)؛ لِأَنَّ إرْسَالَهُ مَعَ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، فَلَا يُنْسَخُ إلَّا بِمَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ فَوْقَهُ، وَالزَّجْرُ دُونَ الْإِرْسَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا اتَّبَعَ الصَّيْدَ بِغَيْرِ إرْسَالِ صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَرَهُ صَاحِبُهُ وَسَمَّى، فَإِنْ انْزَجَرَ بِزَجْرِهِ وَأَخَذَ الصَّيْدَ حَلَّ؛ لِأَنَّ اتِّبَاعَهُ لَمْ يَكُنْ فِعْلًا مُعْتَبَرًا، فَإِنَّ فِعْلَ الْعَجْمَاءِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ إذَا لَمْ يَكُنْ بِنَاءً عَلَى إرْسَالِ آدَمِيٍّ، فَكَانَ زَجْرُهُ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْإِرْسَالِ، وَقَدْ اقْتَرَبَتْ التَّسْمِيَةُ بِهِ، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ إذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَزَجَرَهُ مَجُوسِيٌّ فَانْزَجَرَ بِزَجْرِهِ لَمْ يَضُرَّهُ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ مِنْ الْمُسْلِمِ فِعْلٌ مُوجِبٌ لِلْحِلِّ، فَلَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِمَا هُوَ مِثْلُهُ، وَالزَّجْرُ دُونَ الْإِرْسَالِ، فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالْإِرْسَالِ، وَلَوْ كَانَ الْمَجُوسِيُّ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ لَمْ يَنْفَعْهُ زَجْرُ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجُوسِيِّ يَحْرُمُ، فَلَا يَرْتَفِعُ بِزَجْرِ الْمُسْلِمِ إيَّاهُ لِأَنَّهُ دُونَهُ، فَأَمَّا إذَا انْبَعَثَ الْكَلْبُ وَالْبَازِي عَلَى أَثَرِ الصَّيْدِ بِغَيْرِ إرْسَالٍ ثُمَّ زَجَرَهُ صَاحِبُهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْزَجِرْ بِزَجْرِ صَاحِبِهِ لَمْ يَحِلَّ الصَّيْدُ؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِفِعْلِ الْمُسْلِمِ فَيَأْخُذُهُ، وَبِدُونِ الْإِرْسَالِ لَا يَحِلُّ، وَإِنْ انْزَجَرَ بِزَجْرٍ فِي الْقِيَاسِ لَا يَحِلُّ أَيْضًا؛ لِأَنَّ زَجْرَهُ لَيْسَ بِإِرْسَالٍ، فَإِنَّ الْإِرْسَالَ يَكُونُ مِنْ يَدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حِينَ زَجَرَهُ، وَبِدُونِ الْإِرْسَالِ لَا يَحِلُّ صَيْدُ الْكَلْبِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ فَقَالَ: لَمَّا انْزَجَرَ بِزَجْرِهِ يُجْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ ابْتِدَاءِ الْإِرْسَالِ، وَالصَّيَّادُ قَدْ يُبْتَلَى بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْكَلْبَ رُبَّمَا يَرَى الصَّيْدَ وَلَا يَرَاهُ صَاحِبُهُ، فَلَوْ انْتَظَرَ إرْسَالَهُ، فَإِنَّهُ فَيَنْبَعِثُ عَلَى أَثَرِهِ، وَيَنْظُرُ إلَى صَاحِبِهِ لِيَزْجُرَهُ حَتَّى إذَا زَجَرَهُ، وَكَانَ بِالْقُرْبِ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ، ثُمَّ انْبِعَاثُهُ لَمْ يَكُنْ فِعْلًا مُعْتَبَرًا، فَالْحَاجَةُ إلَى ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ لَا إلَى فَسْخِ الْفِعْلِ، وَلَمَّا انْزَجَرَ بِزَجْرِهِ جُعِلَ هَذَا ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، فَالْحَاجَةُ هُنَاكَ إلَى فَسْخِ فِعْلٍ مُعْتَبَرٍ، وَالْفَسْخُ لَا يَصْلُحُ لِذَلِكَ، وَهُوَ نَظِيرُ مَا قُلْنَا فِيمَنْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ فَأَلْقَى إنْسَانٌ حَجَرًا عَلَى شَفِيرِهِ فَيَعْثِرُ إنْسَانٌ فِي الْحَجَرِ حَتَّى هَوَى فِي الْبِئْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُلْقِي، وَبِمِثْلِهِ لَوْ ثَنَى حَجَرًا مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute