للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَطْنِهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ لَمْ يُؤْكَلْ الْجَنِينُ) فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ وَحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ -.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يُؤْكَلُ. إلَّا أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا يُؤْكَلُ الْجَنِينُ إذَا أَشْعَرَ وَتَمَّتْ خِلْقَتُهُ. فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُضْغَةِ فَلَا يُؤْكَلُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا} [الأنعام: ١٤٢] قِيلَ الْفَرْشُ الصِّغَارُ مِنْ الْأَجِنَّةِ وَالْحَمُولَةُ الْكِبَارُ فَقَدْ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ بِأَكْلِ ذَلِكَ لَهُمْ، وَفِي الْمَشْهُورِ أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ «ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» مَعْنَاهُ ذَكَاةُ الْأُمِّ نَائِبَةٌ عَنْ ذَكَاةِ الْجَنِينِ كَمَا يُقَالُ لِسَانُ الْوَزِيرِ لِسَانُ الْأَمِيرِ وَبَيْعُ الْوَصِيِّ بَيْعُ الْيَتِيمِ.

وَرُوِيَ ذَكَاةَ أُمِّهِ بِالنَّصْبِ وَمَعْنَاهُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ إلَّا أَنَّهُ صَارَ مَنْصُوبًا بِنَزْعِ حَرْفِ الْخَفْضِ عَنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا هَذَا بَشَرًا} [يوسف: ٣١] أَيْ بِبَشَرٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّ قَوْمًا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالُوا إنَّا لِنَنْحَرَ الْجَزُورَ فَيَخْرُجَ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ أَفَنُلْقِيهِ أَمْ نَأْكُلُهُ فَقَالَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - كُلُوهُ فَإِنَّ ذَكَاةَ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ» وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الذَّكَاةَ تَنْبَنِي عَلَى التَّوَسُّعِ حَتَّى يَكُونَ فِي الْأَهْلِيِّ بِالذَّبْحِ فِي الْمَذْبَحِ.

فَإِذَا نَدَّ فَبِالْجُرْحِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَصَابَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وُسْعُ مِثْلِهِ وَاَلَّذِي فِي وُسْعِهِ فِي الْجَنِينِ ذَبْحُ الْأُمِّ؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ مُخْبِيًا فِي الْبَطْنِ لَا يَتَأَتَّى فِيهِ فِعْلُ الذَّبْحِ مَقْصُودًا، وَبَعْدَ الْإِخْرَاجِ لَا يَبْقَى حَيًّا فَتُجْعَلُ ذَكَاةُ الْأُمِّ ذَكَاةً لَهُ؛ لِأَنَّ تَأْثِيرَ الذَّبْحِ فِي الْأُمِّ فِي زُهُوقِ الْحَيَاةِ عَنْ الْجَنِينِ فَوْقَ تَأْثِيرِ الْجُرْحِ بِحِلِّ رِجْلِ الصَّيْدِ فَالْغَالِبُ هُنَاكَ السَّلَامَةُ وَهُنَا الْهَلَاكُ، ثُمَّ اُكْتُفِيَ بِذَلِكَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ وُسْعُ مِثْلِهِ فَهُنَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْجَنِينَ فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأُمِّ حَتَّى يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَنْمُو بِنَمَائِهَا وَيَقْطَعُ عَنْهَا بِالْمِقْرَاضِ كَمَا فِي بَيَانِ الْجُزْءِ مِنْ الْجُمْلَةِ وَيَتْبَعُهَا فِي الْأَحْكَامِ تَبَعِيَّةَ الْأَجْزَاءِ حَتَّى لَا يَجُوزَ اسْتِثْنَاءٌ فِي عُنُقِهَا وَبَيْعِهَا كَاسْتِثْنَاءِ يَدِهَا وَرِجْلِهَا وَثُبُوتُ الْحِلِّ فِي الْبَيْعِ لِوُجُودِ فِعْلِ الذَّكَاةِ فِي الْأَصْلِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحِلُّ ذَبْحُ الشَّاةِ الْحَامِلِ، وَلَوْ لَمْ يَحِلَّ الْجَنِينُ بِذَبْحِ الْأُمِّ لَمَا حَلَّ ذَبْحُهَا حَامِلًا لِمَا فِيهِ مِنْ إتْلَافٍ لِلْحَيَوَانِ لَا لِلْمَأْكَلَةِ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ.

وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة: ٣] فَإِنَّ أَحْسَنَ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ حَيًّا عِنْدَ ذَبْحِ الْأُمِّ فَيَمُوتُ بِاحْتِبَاسِ نَفَسِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمُنْخَنِقَةُ «. وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إذَا وَقَعَتْ رَمِيَّتُكَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّك لَا تَدْرِي أَنَّ الْمَاءَ قَتَلَهُ أَمْ سَهْمُك» فَقَدْ حَرُمَ الْأَكْلُ عِنْدَ وُقُوعِ الشَّكِّ فِي سَبَبِ زَهُوقِ الْحَيَاةِ، وَذَلِكَ مَوْجُودٌ فِي الْجَنِينِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَنَّهُ مَاتَ بِذَبْحِ الْأُمِّ، أَوْ بِاحْتِبَاسِ نَفَسِهِ، وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>