فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢].
قَالَ (وَإِنْ رَمَى رَجُلٌ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ، ثُمَّ دَخَلَ الصَّيْدُ الْحَرَمَ فَمَاتَ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ)؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْجَزَاءِ بِاعْتِبَارِ فِعْلِ الْمَحْظُورِ وَفِعْلُهُ كَانَ مُبَاحًا وَهُوَ الرَّمْيُ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ، أَوْ بِاعْتِبَارِ حُرْمَةِ الْمَحَلِّ وَلَمْ يَكُنْ مُحْتَرَمًا حِينَ مَا أَصَابَ السَّهْمُ الصَّيْدَ فَهُوَ كَمَا لَوْ رَمَى إلَى حَرْبِيٍّ، أَوْ مُرْتَدٍّ فَأَصَابَهُ، ثُمَّ أَسْلَمَ، وَفِي الْقِيَاسِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَانَ مُذَكِّيًا لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي الْحِلِّ حَلَّ تَنَاوُلُهُ. فَكَذَلِكَ إذَا مَاتَ بَعْدَ مَا دَخَلَ الْحَرَمَ؛ لِأَنَّهُ دَخَلَهُ وَهُوَ مُذَكًّى وَحُرْمَةُ الْحَرَمِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِي حَقِّ الصَّيْدِ لَا فِي حَقِّ الْمُذَكَّى، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ فَقَالَ يُكْرَهُ أَكْلُهُ؛ لِأَنَّ حِلَّ التَّنَاوُلِ عِنْدَ زُهُوقِ الرُّوحِ وَهُوَ عِنْدَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ وَالْحُكْمُ يُضَافُ إلَى الشَّرْطِ وُجُودًا عِنْدَهُ كَمَا يُضَافُ إلَى السَّبَبِ ثُبُوتًا بِهِ فَاعْتِبَارُ هَذِهِ الْحَالَةِ يُوجِبُ الْحُرْمَةَ وَاعْتِبَارُ حَالَةِ الْإِصَابَةِ يُبِيحُ فَيَغْلِبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ، وَبِهِ فَارَقَ الْجَزَاءَ؛ لِأَنَّ الْجَزَاءَ بِالشَّكِّ لَا يَجِبُ، وَلِأَنَّ الْجَزَاءَ بِاعْتِبَارِ الْفِعْلِ فَإِنَّ الْحِلَّ صِفَةٌ فِي الْمَحِلِّ وَالْمَحِلُّ فِي الْحَرَمِ عِنْدَ ثُبُوتِ صِفَةِ الْحِلِّ فِيهِ.
قَالَ (وَإِنْ أَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ فَمَاتَ فِي الْحِلِّ فَلَا خَيْرَ فِي أَكْلِهِ)؛ لِأَنَّ الْحِلَّ بِاعْتِبَارِ الْإِصَابَةِ، وَقَدْ أَصَابَهُ وَهُوَ صَيْدُ الْحَرَمِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الْمُسْتَثْنَاةُ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْمُعْتَبَرَ لِحَالَةِ الرَّمْيِ فِيمَا يُبْنَى عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ دُونَ حَالَةِ الْإِصَابَةِ فَإِنَّ فِي حِلِّ التَّنَاوُلِ يُعْتَبَرُ حَالَةُ الْإِصَابَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحِلَّ صِفَةٌ لِلْمَحَلِّ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي الْمَحِلِّ عِنْدَ الْإِصَابَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ تِلْكَ الْحَالَةِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُ فِي الْحِلِّ، وَقَدْ رَمَاهُ مِنْ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ مِنْ الْحَرَمِ قِيلَ مَحْظُورٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] قِيلَ مَعْنَاهُ وَأَنْتُمْ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّهُ يُقَالُ أَحْرَمَ إذَا دَخَلَ فِي الْحَرَمِ كَمَا يُقَالُ أَشْأَمَ إذَا دَخَلَ الشَّامَ وَالْمُوجِبُ لِلْحِلِّ الذَّكَاةُ لَا الْقَتْلُ الْمَحْظُورُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْجَزَاءِ عَلَى الرَّامِي فَهُوَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ مُحْرِمٍ يَقْتُلُ صَيْدًا، وَكَذَلِكَ إنْ رَمَاهُ مِنْ الْحِلِّ فِي الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ إذَا كَانَ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ الرَّمْيِ إلَيْهِ.
وَإِنْ كَانَ فِي الْحِلِّ فَيَكُونُ فِعْلُهُ فِعْلًا مَحْظُورًا أَلَا تَرَى أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْجَزَاءِ، وَلَوْ كَانَ الرَّامِي فِي الْحِلِّ وَالصَّيْدُ فِي الْحِلِّ فَمَرَّ السَّهْمُ فِي الْحَرَمِ حَتَّى أَصَابَ الصَّيْدَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ مُبَاحٌ لَهُ فَكَانَ فِعْلُهُ ذَكَاةً شَرْعًا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى فِي الْحِلِّ، وَفِي الرَّامِي وَلَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ أَصْلَ السَّبَبِ فِعْلُ الرَّامِي وَثُبُوتُ الْحُكْمِ عِنْدَ الْإِصَابَةِ، وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ أَصْلًا فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهِ.
قَالَ (فَإِنْ رَمَى نَصْرَانِيٌّ مِنْ الْحَرَمِ صَيْدًا فِي الْحِلِّ فَمَاتَ فَلَا خَيْرَ فِي أَكْلِهِ)؛ لِأَنَّ النَّصْرَانِيَّ فِي حُكْمِ الذَّكَاةِ لَا يَكُونُ أَعْلَى مِنْ الْمُسْلِمِ. فَإِذَا كَانَ هَذَا الْفِعْلُ مِنْ الْمُسْلِمِ لَا يُبِيحُ الصَّيْدَ. فَكَذَلِكَ مِنْ النَّصْرَانِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute