للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عَنْ صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ تُدْعَى ثَمْغًا وَكَانَ نَخْلًا نَفِيسًا فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي اسْتَفَدْت مَالًا وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ أَفَأَتَصَدَّقُ بِهِ فَقَالَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ، وَلَكِنْ لِيُنْفَقَ مِنْ ثَمَرِهِ»، فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي الرِّقَابِ وَالضَّيْفِ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَلِذِي الْقُرْبَى مِنْهُ، وَلَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ، أَوْ يُؤَكِّلَ صَدِيقًا لَهُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ مِنْهُ.

وَهَذِهِ الْأَرْضُ سَهْمُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِخَيْبَرَ حِينَ قَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْبَرَ بَيْنَ أَصْحَابِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَثَمْغٌ لَقَبٌ لَهَا، وَقَدْ كَانَتْ لِأَمْلَاكِهِمْ أَلْقَابٌ حَتَّى كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَاقَةٌ يُقَالُ لَهَا الْعَضْبَاءُ وَبَغْلَةٌ يُقَالُ لَهَا دُلْدُلٌ وَفَرَسٌ يُقَالُ لَهُ السَّكَبُ وَحِمَارٌ يُقَالُ لَهُ يَعْفُورٌ وَعِمَامَةٌ تُسَمَّى السَّحَابَةُ، ثُمَّ فِي هَذَا دَلِيلُ أَنَّ مَنْ قَصَدَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَارَ لِذَلِكَ أَنْفَسَ أَمْوَالِهِ وَأَطْيَبَهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: ٩٢]. وَقَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {، وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: ٢٦٧]؛ فَلِهَذَا اخْتَارَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنْفَسَ أَمْوَالِهِ وَأَطْيَبَهَا لَمَّا أَرَادَ التَّصَدُّقَ، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ أَرَادَ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ السُّؤَالَ عَنْ ذَلِكَ وَأَنَّ الرِّبَا لَا يَدْخُلُ فِي هَذَا السُّؤَالِ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ جُهَّالُ الْمُتَقَشِّفَةِ، ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْوَقْفِ بِقَوْلِهِ تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ فَهُوَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ يَقُولُ بِلُزُومِ الْوَقْفِ.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ وَقَفَ كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وَلَكِنْ لَمْ يَسْتَثْنِ لِلْوَالِي شَيْئًا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ وَاسِعٌ إنْ اسْتَثْنَى لِلْوَالِي أَنْ يَأْكُلَ بِالْمَعْرُوفِ كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ صَوَابٌ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَثْنِ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَهُ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَهُوَ صَوَابٌ أَيْضًا وَلِلْوَالِي أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ مِقْدَارَ حَاجَتِهِ كَمَا أَنَّ لِلْإِمَامِ فِعْلَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَلِوَصِيِّ الْيَتِيمِ ذَلِكَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ إذَا عَمِلَ لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: ٦]، وَلَكِنْ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُؤَكِّلَ غَيْرَهُ مِمَّنْ لَيْسَ فِي عِيَالِهِ إلَّا إذَا شَرَطَ الْوَاقِفُ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، أَوْ يُؤَكِّلَ صَدِيقًا لَهُ.

(وَقَوْلُهُ) غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ مِنْهُ يَعْنِي يَكْتَفِي بِمَا يَأْكُلُ، وَلَا يَكْتَسِبُ بِهِ الْمَالَ بِالْبَيْعِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ نَظِيرُ الْغَازِي فِي طَعَامِ الْغَنِيمَةِ يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَتَنَاوَلَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ، وَلَا يَتَمَوَّلُ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ وَالْإِقْرَاضِ مِنْ غَيْرِهِ، وَفِيهِ دَلِيلُ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْوَقْفَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُتَوَلِّي، وَفِي قَوْلِهِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ إشَارَةٌ إلَى ذَلِكَ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ جَعَلَ وَقْفَهُ فِي يَدِ ابْنَتِهِ حَفْصَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَالَ مُحَمَّدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ وَلِهَذَا يَأْخُذُ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>