للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَكَذَلِكَ فِي الصَّدَقَةِ الْمَوْقُوفَةِ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ بَعْضَهُ مُمَيَّزًا بِعَيْنِهِ كَانَ مَا فَعَلَهُ جَائِزًا فِيمَا بَقِيَ مَاضِيًا لِوَجْهِهِ؛ لِأَنَّ بِهَذَا الِاسْتِحْقَاقَ لَمْ يَتَبَيَّنْ الشُّيُوعُ فِيمَا بَقِيَ فَإِنَّ الْمُسْتَحَقَّ مُمَيَّزٌ مِمَّا بَقِيَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ دَارَيْنِ وَقَفَهُمَا فَاسْتُحِقَّتْ إحْدَاهُمَا، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ إذَا كَانَ الْمُسْتَحَقُّ مُمَيَّزًا يُقَرِّرُ الصَّدَقَةَ فِيمَا بَقِيَ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْهِبَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَحَقَّ جُزْءًا شَائِعًا، وَلَا فَرْقَ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَحَقُّ كَثِيرًا، أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ الشُّيُوعُ، وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ بِاسْتِحْقَاقِ جُزْءٍ قَلَّ ذَلِكَ، أَوْ كَثُرَ.

قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الْأَرْضُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَتَصَدَّقَا بِهَا صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ الَّتِي وَصَفْنَاهَا وَدَفَعَاهَا إلَى وَلِيٍّ يَقُومُ بِهَا كَانَ ذَلِكَ جَائِزًا)؛ لِأَنَّ مِثْلَهُ فِي الصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ جَائِزٌ إذَا تَصَدَّقَ رَجُلَانِ عَلَى وَاحِدٍ وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ تَمَامِ الصَّدَقَةِ شُيُوعٌ فِي الْمَحِلِّ، وَلَا شُيُوعَ هُنَا فَقَدْ صَارَ الْكُلُّ صَدَقَةً مَعَ كَثْرَةِ الْمُتَصَدِّقِينَ بِهَا وَالْقَبْضُ لِلْمُتَوَلِّي فِي الْكُلِّ وُجِدَ جُمْلَةً وَاحِدَةً فَهُوَ وَمَا لَوْ تَصَدَّقَ رَجُلٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ، وَلَوْ تَصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِهَا شَائِعًا عَلَى حِدَةٍ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً وَجَعَلَ لَهَا وَالِيًا عَلَى حِدَةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُمَا صَدَقَتَانِ مُتَفَرِّقَتَانِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَصَدَّقَ بِنَصِيبِهِ بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَعَلَ لِنَصِيبِهِ وَالِيًا عَلَى حِدَةٍ وَمِثْلُهُ فِي الصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ لَا يَجُوزُ حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ أَحَدُهُمَا بِنِصْفِهَا مُشَاعًا عَلَى رَجُلٍ وَسَلَّمَ، ثُمَّ تَصَدَّقَ الْآخَرُ بِالنِّصْفِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا؛ لِأَنَّ قَبْضَةَ فِي نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَاقَى جُزْءًا شَائِعًا. فَكَذَلِكَ قَبْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَالِيَيْنِ هُنَا لَاقَى جُزْءًا شَائِعًا.

قَالَ (وَلَوْ تَصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِنِصْفِهِ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً عَلَى الْمَسَاكِينِ وَجَعَلَا الْوَالِيَ لِذَلِكَ رَجُلًا وَاحِدًا فَسَلَّمَاهَا إلَيْهِ جَمِيعًا جَازَ)؛ لِأَنَّ تَمَامَ الصَّدَقَةِ بِالْقَبْضِ وَالْقَبْضُ مُجْتَمِعٌ فَقَدْ حَصَلَ قَبْضُ الْكُلِّ مِنْ وَاحِدٍ فِي مَحَلِّ عَيْنٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْقَبْضُ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ أَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ ذَلِكَ مَعَ رَجُلٍ فِي النِّصْفِ، ثُمَّ فِي النِّصْفِ، ثُمَّ سَلَّمَ الْكُلَّ إلَيْهِ جَازَ، وَلَوْ بَاشَرَهُ فِي الْكُلِّ، ثُمَّ سَلَّمَ إلَيْهِ النِّصْفَ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ إنْ جَعَلَاهَا جَمِيعًا إلَى رَجُلَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَالِيَيْنِ هُنَا كَوَالٍ وَاحِدٍ حَيْثُ جَعَلَهُمَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَالِيًا فِي صَدَقَةٍ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَصَدِّقَيْنِ خَصَّ وَاحِدًا مِنْ الْوَالِيَيْنِ فَجَعَلَهُ وَالِيًا فِي صَدَقَتِهِ فَإِنَّمَا يُلَاقِي قَبْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءًا شَائِعًا أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الرَّهْنِ لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ رَهَنَا عَيْنًا مِنْ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لَهُمَا عَلَيْهِمَا جَازَ، وَلَوْ قَالَ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ أَحَدِ الرَّاهِنَيْنِ رَهْنٌ عِنْدَ أَحَدِهِمَا وَنَصِيبُ الْآخَرِ عِنْدَ الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ الْمُنَفَّذَةِ.

وَلَوْ وَهَبَا مِنْ رَجُلَيْنِ، أَوْ تَصَدَّقَا عَلَيْهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>