للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْقُرْآنِ مَهْجُورًا وَلِأَنَّ الْقَارِئَ مَأْمُورٌ بِاتِّبَاعِ التَّأْلِيفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: ١٨] أَيْ تَأْلِيفَهُ وَبِغَيْرِ التَّأْلِيفِ يَكُونُ مَكْرُوهًا وَإِذَا قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ مِنْ بَيْنِ آيِ السُّورَةِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَقْرَأَ مَعَهَا آيَاتٍ وَإِنْ اكْتَفَى بِقِرَاءَةِ آيَةِ السَّجْدَةِ لَمْ يَضُرَّهُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ آيَةِ السَّجْدَةِ مِنْ بَيْنِ الْآيِ كَقِرَاءَةِ سُورَةٍ مِنْ بَيْنِ السُّوَرِ وَذَلِكَ لَا بَأْسَ بِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ مَعَهَا آيَاتٍ لِيَكُونَ أَدُلُّ عَلَى الْمَعْنَى وَالْإِعْجَازِ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْتَقِدُ هُوَ أَوْ بَعْضُ السَّامِعِينَ مِنْهُ زِيَادَةَ فَضِيلَةٍ فِي آيَةِ السَّجْدَةِ وَمَنْ حَيْثُ إنَّ قِرَاءَةَ الْكُلِّ سَوَاءٌ فَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ مَعَهَا آيَاتٍ

(قَالَ): وَمَنْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ أَوْ سَمِعَهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَهَا عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ لِحَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ حِينَ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّرَائِعَ وَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرَهَا؟ فَقَالَ: لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ فَلَوْ كَانَتْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَاجِبَةً لَمَا تَرَكَ الْبَيَانَ بَعْدَ السُّؤَالِ وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَسَجَدَ ثُمَّ تَلَاهَا فِي الْجُمُعَةِ الثَّانِيَةِ فَنَشَزَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ فَقَالَ: إنَّهَا لَمْ تُكْتَبْ عَلَيْنَا إلَّا أَنْ نَشَاءَ.

(وَلَنَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا تَلَا ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي فَيَقُولُ: أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْت بِالسُّجُودِ فَلَمْ أَسْجُدْ فَلِي النَّارُ» وَالْأَصْلُ أَنَّ الْحَكِيمَ مَتَى حَكَى عَنْ غَيْرِ الْحَكِيمِ وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بِالنَّكِيرِ فَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ صَوَابٌ فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ ابْنَ آدَمَ مَأْمُورٌ بِالسُّجُودِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَعَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا: السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ تَلَاهَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا عَلَى مَنْ جَلَسَ لَهَا اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهُمْ بِهَذِهِ وَعَلَى كَلِمَةِ إيجَابِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَبَخَّ تَارِكَ السُّجُودِ بِقَوْلِهِ {فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [الانشقاق: ٢٠] {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: ٢١] وَالتَّوْبِيخُ لَا يَكُونُ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ وَتَأْوِيلُ حَدِيثِ عُمَرَ لَمْ يَكْتُبْ عَلَيْنَا التَّعْجِيلَ بِهَا فَأَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلْقَوْمِ التَّأْخِيرَ عَنْ حَالَةِ الْوُجُوبِ وَفِي حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ بَيَانُ الْوَاجِبَاتِ ابْتِدَاءً دُونَ مَا يَجِبُ بِسَبَبٍ مِنْ الْعَبْدِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَنْذُورَةَ

(قَالَ) فَإِنْ قَرَأَهَا أَوْ سَمِعَهَا وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ لَمْ يُجْزِئْهُ التَّيَمُّمُ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُهُ وَلِأَنَّهُ بِاسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ يَتَوَصَّلُ إلَى أَدَائِهَا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدِ

(قَالَ): وَمَنْ سَمِعَهَا مِنْ صَبِيٍّ أَوْ كَافِرٍ أَوْ جُنُبٍ أَوْ حَائِضٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِأَنَّ الْمَتْلُوَّ قُرْآنٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَلِهَذَا مُنِعَ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ مِنْ قِرَاءَتِهِ فَتَقَرَّرَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ فِي حَقِّ السَّامِعِ

(قَالَ)

<<  <  ج: ص:  >  >>