مَوْضِعِ السَّجْدَةِ سَجَدَ الدَّوَاةُ وَالْقَلَمُ فَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: نَحْنُ أَحَقُّ بِهَا مِنْ الدَّوَاةِ وَالْقَلَمِ فَأَمَرَ حَتَّى يَكْتُبَ فِي مَجْلِسِهِ وَسَجَدَهَا مَعَ أَصْحَابِهِ» (فَإِنْ قِيلَ) فِي الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ «سَجَدَهَا دَاوُد تَوْبَةً وَنَحْنُ نَسْجُدُهَا شُكْرًا». (فَلِمَا) هَذَا لَا يَنْفِي كَوْنَهَا سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ فَمَا مِنْ عِبَادَةٍ يَأْتِي بِهَا الْعَبْدُ إلَّا وَفِيهَا مَعْنَى الشُّكْرِ وَمُرَادُهُ مِنْ هَذَا بَيَانُ سَبَبِ الْوُجُوبِ إنَّهُ كَانَ تَوْبَةَ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَإِنَّمَا لَمْ يَسْجُدْهَا فِي خُطْبَتِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّهُ سَجَدَهَا فِي خُطْبَتِهِ مَرَّةً» وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَعَلَى أَنَّهَا سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ فَقَدْ قَطَعَ الْخُطْبَةَ لَهَا. وَيَخْتَلِفُونَ فِي الَّتِي فِي حم السَّجْدَةِ فِي مَوْضِعِهَا فَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: آخِرُ الْآيَةِ الْأُولَى عِنْدَ قَوْلِهِ {إنْ كُنْتُمْ إيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: ٣٧] وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: عِنْدَ آخِرِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى {وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} [فصلت: ٣٨] وَبِهِ أَخَذْنَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الِاحْتِيَاطِ فَإِنَّهَا إنْ كَانَتْ عِنْدَ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَجُزْ تَعْجِيلُهَا وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الْأُولَى جَازَ تَأْخِيرُهَا إلَى الْآيَةِ الثَّانِيَةِ وَيَخْتَلِفُونَ فِي الْمُفَصَّلِ فَعِنْدَنَا فِيهِ ثَلَاثُ سَجَدَاتٍ وَقَالَ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: لَيْسَ فِي الْمُفَصَّلِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -.
(وَلَنَا) حَدِيثُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: عَزَائِمُ سُجُودِ الْقُرْآنِ أَرْبَعَةٌ الَّتِي فِي {الم} [السجدة: ١] {تَنْزِيلُ} [السجدة: ٢] وَحَم السَّجْدَةِ وَفِي النَّجْمِ وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّك وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ سُورَةَ وَالنَّجْمِ بِمَكَّةَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ إلَّا شَيْخًا وَضَعَ كَفًّا مِنْ التُّرَابِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ: إنَّ هَذَا يَكْفِينِي فَلَقِيتُهُ قُتِلَ كَافِرًا بِبَدْرٍ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَأَ {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} [الانشقاق: ١] فَسَجَدَ وَسَجَدَ مَعَهُ أَصْحَابُهُ».
(قَالَ): فَإِنْ تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ رَاكِبًا أَجْزَأَهُ أَنْ يُومِئَ بِهَا وَقَالَ بِشْرٌ: لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَلَا يَجُوزُ أَدَاؤُهَا عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَالْمَنْذُورَةِ فَإِنَّ الرَّاكِبَ إذَا نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُؤَدِّيَهُمَا عَلَى الدَّابَّةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ.
(وَلَنَا) أَنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا الْتَزَمَهَا فَتِلَاوَتُهُ عَلَى الدَّابَّةِ شُرُوعٌ فِيمَا تَجِبُ بِهِ السَّجْدَةُ فَكَانَ نَظِيرُ مَنْ شَرَعَ عَلَى الدَّابَّةِ فِي التَّطَوُّعِ فَكَمَا تَجُوزُ هُنَاكَ تَجُوزُ هَاهُنَا بِخِلَافِ النَّذْرِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشُرُوعٍ فِي أَدَاءِ الْوَاجِبِ فَكَانَ الْوُجُوبُ بِالنَّذْرِ مُطْلَقًا فَيُقَاسُ بِمَا وَجَبَ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى
(قَالَ): وَإِنْ تَلَاهَا عَلَى الدَّابَّةِ فَنَزَلَ ثُمَّ رَكِبَ وَأَدَّاهَا بِالْإِيمَاءِ جَازَ إلَّا عَلَى قَوْلِ زُفَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ يَقُولُ: لَمَّا نَزَلَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاؤُهَا عَلَى الْأَرْضِ فَكَأَنَّهُ تَلَاهَا عَلَى الْأَرْضِ.
(وَلَنَا) أَنَّهُ لَوْ أَدَّاهَا قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute