للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بَعْضًا وَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ سَوَاءٌ فَهَذَا تَنْصِيصٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْوَزْنِ دُونَ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّ التِّبْرَ لَا يُسَاوِي الْعَيْنَ فِي الصِّفَةِ وَإِنَّمَا يُسَاوِيهِ مِنْ حَيْثُ الْمِقْدَارُ. وَقَوْلُهُ: يَدًا بِيَدٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ: عَيْنًا بِعَيْنٍ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ بِالْيَدِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ قَبْضًا بِقَبْضٍ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ يَكُونُ بِالْيَدِ. وَزَعَمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ: الْقَبْضُ هُنَا؛ لِبَيَانِهِ فِي حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَإِنَّهُ قَالَ فِي الصَّرْفِ: مِنْ يَدِكَ إلَى يَدِهِ، وَإِنْ اسْتَنْظَرَك إلَى خَلْفِ السَّارِيَةِ فَلَا تَنْتَظِرْهُ، وَإِنْ وَثَبَ مِنْ السَّطْحِ، فَثِبْ مَعَهُ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ التَّعْيِينُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الْقَبْضَ لَقَالَ: مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ؛ لِأَنَّهُ يَقْبِضُ مِنْ يَدِ غَيْرِهِ؛ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْمُرَادَ: التَّعْيِينُ. إلَّا أَنَّ التَّعْيِينَ فِي النُّقُودِ لَا يَتِمُّ بِالْقَبْضِ لِأَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ بِالْإِشَارَةِ فَكَانَ اشْتِرَاطُ الْقَبْضِ لِتَحْقِيقِ التَّعْيِينِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ. وَإِلَيْهِ أَشَارَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِقَوْلِهِ هَا وَهَا أَيْ: هَذَا بِهَذَا.

وَقَوْلُهُ: وَالْفَضْلُ رِبًا، يَحْتَمِلُ الْفَضْلَ فِي الْقَدْرِ، وَيَحْتَمِلُ الْفَضْلَ فِي الْحَالِ، بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالْآخَرُ نَسِيئَةً. وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُرَادٌ بِاللَّفْظِ وَقَوْلُهُ: رِبًا أَيْ حَرَامٌ، أَيْ: فَضْلٌ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ وَالْمُقَابَلَةِ إمَّا مُتَيَقَّنًا بِهِ عِنْدَ فَضْلِ الْقَدْرِ أَوْ مَوْهُومُ الْوُجُودِ عَادَةً لِتَفَاوُتٍ بَيْنَ النَّقْدَيْنِ وَالنِّسْبَةِ فِي الْمَالِيَّةِ. وَكَذَلِكَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ. فَأَمَّا قَوْلُهُ: الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَحْتَمِلُ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْكَيْلِ وَيَحْتَمِلُ الْمُمَاثَلَةَ فِي الصِّفَةِ، وَلَكِنَّهُ فِي كِتَابِ الصَّرْفِ ذَكَرَ مَكَانَ قَوْلِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا بِكَيْلٍ فَتَبَيَّنَ بِهِ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُمَاثَلَةُ مِنْ حَيْثُ الْقَدْرُ وَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ جَيِّدُهَا وَرَدِيُّهَا سَوَاءٌ. فَهُوَ بَيَانٌ أَنَّ الْمُرَادَ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقَدْرِ وَقَوْلُهُ يَدًا بِيَدٍ مَعْنَاهُ عِنْدَنَا: عَيْنٌ بِعَيْنٍ. وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِي بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ فِيهَا يَتِمُّ بِالْإِشَارَةِ وَقَوْلُهُ: وَالْفَضْلُ رِبًا يَحْتَمِلُ الْفَضْلَ فِي الْقَدْرِ وَيَحْتَمِلُ الْفَضْلَ فِي الْحَالِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُرَادٌ. وَقَدْ فُسِّرَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ: مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى. وَكَذَلِكَ الشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ وَالْمِلْحُ. فَأَمَّا الْحُكْمُ فَفِي الْحَدِيثِ حُكْمَانِ: حُرْمَةُ النَّسَاءِ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ عِنْدَ الْمُبَايَعَةِ بِجِنْسِهَا وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَحُرْمَةُ التَّفَاضُلِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - إلَّا الْبَتِّيَّ رَوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُجَوِّزُ التَّفَاضُلَ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ.

وَلَا مُعْتَبَرَ بِهَذَا الْقَوْلِ؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَمْ يُسَوِّغُوا لَهُ هَذَا الِاجْتِهَادَ عَلَى مَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -

<<  <  ج: ص:  >  >>