للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

انْعِدَامَ الْمُمَاثَلَةِ بِوُجُودِ الْفَضْلِ الْخَالِي عَنْ الْعِوَضِ مُتَيَقِّنًا بِهِ أَوْ مَوْهُومًا احْتِيَاطًا، وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّعْلِيلِ عِنْدَهُ مَنْعُ قِيَاسِ غَيْرِ الْمَطْعُومَاتِ وَغَيْرِ الثَّمَنِ عَلَى الثَّمَنِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ التَّعْلِيلَ صَحِيحٌ لِإِثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ وَالْمَنْعِ مِنْ إلْحَاقِ غَيْرِهِ بِهِ، وَعِنْدَنَا التَّعْلِيلُ لِتَعْدِيَةِ حُكْمِ النَّصِّ إلَى غَيْرِ الْمَنْصُوصِ، فَالْحُكْمُ فِي الْمَنْصُوصِ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ لَا بِالْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالنَّصِّ مَقْطُوعٌ بِهِ، وَالْمَنْعُ بِظَاهِرِ النَّصِّ ثَابِتٌ. فَالِاشْتِغَالُ بِالتَّعْلِيلِ يَكُونُ لَغْوًا عِنْدَنَا.

وَبَيَانُ هَذَا الْأَصْلِ: إذَا بَاعَ تُفَّاحَةً بِتُفَّاحَتَيْنِ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ هِيَ الْأَصْلُ فِي بَيْعِهَا وَالْحِلُّ يَثْبُتُ بِعَارِضٍ بِوُجُودِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا يَجُوزُ، وَعِنْدَنَا يَجُوزُ؛ لِانْعِدَامِ الْفَضْلِ عَلَى الْقَدْرِ - وَهُوَ الْمِعْيَارُ الشَّرْعِيُّ - وَالْحَرَامُ هُوَ الْفَضْلُ عَلَى الْقَدْرِ وَلَمْ يُوجَدْ: فَيَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْجَوَازَ أَصْلٌ فِي الْبَيْعِ، وَالْحُرْمَةُ تَثْبُتُ بِعَارِضِ انْعِدَامِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقَدْرِ - وَهُوَ الْمِعْيَارُ الشَّرْعِيُّ - وَهَذَا لَا مِعْيَارَ لَهُ؛ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ وَلَوْ بَاعَ قَفِيزَ جِبْسٍ بِقَفِيزَيْ جِصٍّ، عِنْدَنَا: لَا يَجُوزُ؛ لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ وَالْقَدْرِ. وَعِنْدَهُ: يَجُوزُ؛ لِعَدَمِ الطَّعْمِ. وَلَوْ بَاعَ حَفْنَةً بِحَفْنَتَيْنِ، عِنْدَهُ: لَا يَجُوزُ؛ لِكَوْنِهِ مَطْعُومًا، وَقَدْ عُدِمَتْ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ، وَعِنْدَنَا: يَجُوزُ لِعَدَمِ الْكَيْلِ مَعَ الْجِنْسِ وَلَوْ بَاعَ مَنَّا سُكَّرٍ بِمَنَوَيْ سُكَّرٍ، عِنْدَنَا: لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْجِنْسِ مَعَ الْقَدْرِ، وَعِنْدَهُ: لَا يَجُوزُ أَيْضًا لِوُجُودِ الطَّعْمِ مَعَ الْجِنْسِ. وَلَوْ بَاعَ مَنَّا قُطْنٍ بِمَنَوَيْ قُطْنٍ، عِنْدَنَا: لَا يَجُوزُ لِوُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ وَالْقَدْرِ، وَعِنْدَهُ يَجُوزُ لِعَدَمِ الطَّعْمِ. وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ لِإِثْبَاتِ أَصْلِهِ مَا رُوِيَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ بِالطَّعَامِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ».

وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: «لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ» فَفِي هَذَا بِدَايَةٌ بِبَيَانِ النَّهْيِ وَالْمَنْعِ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: لَا تَبِيعُوا لَمْ يَجُزْ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ بِحَالٍ. فَبِهِ تَبَيَّنَ أَنَّ حُرْمَةَ الْبَيْعِ أَصْلٌ، وَأَنَّ الْجَوَازَ يُعَارِضُ الْمُسَاوَاةَ. بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالْمُرَادُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْقَدْرِ. ثُمَّ اسْمُ الطَّعَامِ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، وَمَا يُكَالُ مِنْ الْأَطْعِمَةِ وَمَا لَا يُكَالُ فَثَبَتَ حُرْمَةُ الْبَيْعِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ، وَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ التَّعْلِيلَ بِالْقَدْرِ يُوجِبُ تَخْصِيصَ الْأَصْلِ الْمُعَلَّلِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ. وَكَذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ قَالَ: «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ». فَهَذَا اللَّفْظُ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ. وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مِثْلًا بِمِثْلٍ» نُصِبَ عَلَى الْحَالِ أَيْ: إنَّمَا يَكُونُ بَيْعًا فِي حَالَةِ مَا يَكُونُ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَالْمُرَادُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقَدْرِ فَتَبَيَّنَ بِهِ أَيْضًا أَنَّ الْحُرْمَةَ أَصْلٌ فِيهَا، وَأَنَّ الْحِلَّ يُعَارِضُ الْمُمَاثَلَةَ فِي الْقَدْرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرِّبَا الزِّيَادَةَ؛ فَقَدْ قَالَ عُمَرُ: إنَّ آيَةَ الرِّبَا آخِرُ مَا نَزَلَ، وَقُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ لَنَا شَأْنَهَا، وَإِنَّ مِنْ الرِّبَا أَبْوَابًا لَا يَكَدْنَ يَخْفَيْنَ عَلَى أَحَدٍ، مِنْهَا: السَّلَمُ فِي السِّنِّ. فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ الِاسْمَ غُيِّرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>