مِنْ الرِّبَا الَّذِي لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ وَإِنْ سَلَّمُوا أَنَّ حُكْمَ النَّصِّ وُجُوبُ الْمُمَاثَلَةِ لَا يَبْقَى لَهُمْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الْمُمَاثَلَةِ لَا تَكُونُ إلَّا فِي مَحَلٍّ قَابِلٍ لِلْمُمَاثَلَةِ وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمُوا فَالدَّلِيلُ عَلَى إثْبَاتِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّ الْأَمْوَالَ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ مُتَفَاوِتَةٌ فِي نَفْسِهَا كَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ فَلَا تَجِبُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهَا لِلْمُبَايَعَةِ وَأَمْثَالٍ مُتَقَارِبَةٍ كَالسِّهَامِ وَلَا تَجِبُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهَا أَيْضًا لِلْمُبَايَعَةِ وَأَمْثَالٍ مُتَسَاوِيَةٍ كَالْفُلُوسِ الرَّابِحَةِ وَتَجِبُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهَا حَتَّى إذَا بَاعَ فَلْسًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِغَيْرِ أَعْيَانِهِمَا لَا يَجُوزُ لِلرَّسَنَةِ فَإِنَّ بَيْعَ فَلْسٍ بِفَلْسٍ جَائِزٌ بَلْ لِوُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ فَإِنَّ إحْدَى الْفَلْسَيْنِ يَبْقَى بِغَيْرِ شَيْءٍ لَمَّا كَانَتْ أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةً بِصِفَةِ الرَّوَاجِ فَيَكُونُ ذَلِكَ رِبًا وَإِذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ فَكَأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَعْرَضَا عَنْ الِاصْطِلَاحِ عَلَى كَوْنِهَا أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةً وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَتَصِيرُ أَمْثَالًا مُتَقَارِبَةً كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ إذَا عَرَفْنَا هَذَا فَنَقُولُ الشَّرْعُ هُنَا نَصَّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ فِي هَذِهِ الْأَمْوَالِ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا أَمْثَالٌ مُتَسَاوِيَةٌ وَإِنَّمَا تَكُونُ أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةً بِالْجِنْسِ وَالْقَدْرِ؛ لِأَنَّ كُلَّ حَادِثٍ فِي الدُّنْيَا مَوْجُودٌ بِصُورَتِهِ وَمَعْنَاهُ فَإِنَّمَا بَطَلَتْ الْمُمَاثَلَةُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ
وَالْمُمَاثَلَةُ صُورَةٌ بِاعْتِبَارِ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ الْمِعْيَارَ فِي هَذَا الْمِقْدَارِ كَالطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْمُمَاثَلَةِ مَعْنِيٌّ بِاعْتِبَارِ الْجِنْسِيَّةِ وَلَكِنَّ هَذِهِ الْمُمَاثَلَةَ لَا تَكُونُ قَطْعًا إلَّا بِشَرْطٍ وَهُوَ سُقُوطُ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ مِنْهَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَجْوَدُ مِنْ الْآخَرِ وَإِذَا سَقَطَتْ قِيمَةُ الْجَوْدَةِ مِنْهَا صَارَتْ أَمْثَالًا مُتَسَاوِيَةً قَطْعًا فَإِنَّمَا يُقَابَلُ الْبَعْضُ بِالْبَعْضِ فِي الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ الذَّاتُ فَإِذَا كَانَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَضْلٌ كَانَ ذَلِكَ الْفَضْلُ خَالِيًا عَنْ الْمُقَابَلَةِ وَالْفَضْلُ الْخَالِي عَنْ الْمُقَابَلَةِ رِبًا فَإِذَا جُعِلَ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ فَسَدَ بِهِ الْعَقْدُ وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ إلَّا أَنَّ الْفَضْلَ الْخَالِيَ عَنْ الْمُقَابَلَةِ هُنَاكَ إنَّمَا يَظْهَرُ بِالشَّرْطِ حَتَّى لَوْ بَاعَ ثَوْبًا بِثَوْبٍ بِشَرْطِ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ ثَوْبًا آخَرَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ الْفَضْلُ يَظْهَرُ بِالشَّرْطِ وَهُنَا يَظْهَرُ شَرْعًا لِوُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ فَثَبَتَ بِمَا قَرَّرْنَا أَنَّ الْعِلَّةَ لِهَذَا الْحُكْمِ بِالتَّأْثِيرِ فِي إيجَابِ الْمُمَاثَلَةِ وَهُوَ الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ وَإِنَّ شَرْطَ عَمَلِ الْعِلَّةِ سُقُوطُ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ مِنْهَا وَهَذَا شَرْطٌ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَيِّدُهَا وَرَدِيُّهَا سَوَاءٌ وَبِدَلِيلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ بَاعَ قَفِيزَ حِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ بِقَفِيزِ حِنْطَةٍ رَدِيَّةٍ وَدِرْهَمٍ لَا يَجُوزُ وَمَا كَانَ مَالًا مُتَقَوِّمًا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَنْهُ كَالْبَيْعِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ الِاعْتِيَاضُ عَمَّا فَسَدَ بِتَقَوُّمِهِ شَرْعًا كَالْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَمَّا لَمْ يَجُزْ الِاعْتِيَاضُ عَنْ الْجَوْدَةِ هُنَا عَرَفْنَا أَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِلْجَوْدَةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ ثُمَّ إثْبَاتُ الْحُكْمِ بِهَذَا الطَّرِيقِ يَكُونُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأُصُولِ وَعَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute