يَتَرَبَّعُ فِي الصَّلَاةِ فَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ رَأَيْتُكَ تَفْعَلُهُ يَا أَبَتِ فَقَالَ إنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِي، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ غَلَّلَ فِيهِ فَقَالَ التَّرَبُّعُ جُلُوسُ الْجَبَابِرَةِ فَلِهَذَا كُرِهَ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَانَ يَتَرَبَّعُ فِي جُلُوسِهِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ»، حَتَّى رُوِيَ أَنَّهُ: «كَانَ يَأْكُلُ يَوْمًا مُتَرَبِّعًا فَنَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ كُلْ كَمَا تَأْكُلُ الْعَبِيدُ»، وَهُوَ كَانَ مُنَزَّهًا عَنْ أَخْلَاقِ الْجَبَابِرَةِ وَكَذَلِكَ عَامَّةُ جُلُوسِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مُتَرَبِّعًا وَلَكِنَّ الْعِبَارَةَ الصَّحِيحَةَ أَنْ يُقَالَ الْجُلُوسُ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ مِنْ التَّرَبُّعِ فَهُوَ أَوْلَى فِي حَالِ الصَّلَاةِ إلَّا عِنْدَ الْعُذْرِ.
قَالَ: (لَوْ مَسَحَ جَبْهَتَهُ مِنْ التُّرَابِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ لَا بَأْسَ بِهِ)؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مُفِيدٌ، فَإِنَّ الْتِصَاقَ التُّرَابِ بِجَبْهَتِهِ نَوْعُ مُثْلَةٍ فَرُبَّمَا كَانَ الْحَشِيشُ الْمُلْتَصِقُ بِجَبْهَتِهِ يُؤْذِيهِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ مَسَحَ بَعْدَ مَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَا بَأْسَ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَدَعَهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَتَرَّبُ ثَانِيًا وَثَالِثًا، فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا وَلَوْ مَسَحَ لِكُلِّ مَرَّةٍ كَانَ عَمَلًا كَثِيرًا، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ كَرِهَ ذَلِكَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَجَعَلُوا الْقَوْلَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْكِتَابِ لَا مَفْصُولًا عَنْ قَوْلِهِ أَكْرَهُهُ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْكِتَابِ قُلْتُ لَوْ مَسَحَ جَبْهَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ لَا أَكْرَهُهُ يَعْنِي لَا تَفْعَلْ، فَإِنِّي أَكْرَهُهُ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: «أَرْبَعٌ مِنْ الْجَفَاءِ أَنْ تَبُولَ قَائِمًا وَأَنْ تَسْمَعَ النِّدَاءَ فَلَمْ تُجِبْهُ وَأَنْ تَنْفُخَ فِي صَلَاتِكَ وَأَنْ تَمْسَحَ جَبْهَتَكَ فِي صَلَاتِكَ»، وَتَأْوِيلُهُ، عِنْدَ مَنْ لَا يَكْرَهُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَسْحُ بِالْيَدَيْنِ كَمَا يَفْعَلُهُ الدَّاعِي إذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ.
قَالَ: (وَالتَّشَهُّدُ أَنْ يَقُولَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ)، وَهُوَ تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - تَشَهُّدُ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَصِفَتُهُ أَنْ يَقُولَ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَد أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَهُوَ يَقُولُ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كَانَ مِنْ فِتْيَانِ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ -، فَإِنَّمَا يَخْتَارُونَ مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْأَمْرُ آخِرًا، فَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَهُوَ مِنْ الشُّيُوخِ يَنْقُلُ مَا كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ كَمَا نَقَلَ التَّطْبِيقَ وَغَيْرَهُ وَلِأَنَّ تَشَهُّدَ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَقْرَبُ إلَى مُوَافَقَةِ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {تَحِيَّةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute