للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَرَبُّ السَّلَمِ يُطَالِبُهُ بِإِعْلَامِ الْأَشْيَاءِ وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَا يُعْطَى إلَّا أَدْنَى الْأَشْيَاءِ وَيَحْتَجُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمُطْلَقِ الِاسْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ الْجِنْسِ لِقَطْعِ هَذِهِ الْمُنَازَعَةِ وَكَذَلِكَ إعْلَامُ النَّوْعِ فَإِنَّهُ إذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي تَمْرٍ فَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ يُعْطِيهِ الدَّقَلَ وَرَبُّ السَّلَمِ يُطَالِبُهُ بِالْفَارِسِيِّ وَيَحْتَجُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِمُطْلَقِ الِاسْمِ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ النَّوْعِ لِقَطْعِ هَذِهِ الْمُنَازَعَةِ وَكَذَلِكَ إعْلَامُ الصِّفَةِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ إلَيْهِ فِي الْحِنْطَةِ فَرَبُّ السَّلَمِ يُطَالِبُهُ بِحِنْطَةٍ جَيِّدَةٍ وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَا يُسْلِمُ إلَّا الرَّدِيءَ وَيَحْتَجُّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِاسْمِ الْحِنْطَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الصِّفَةِ لِقَطْعِ هَذِهِ الْخُصُومَةِ وَإِعْلَامُ الْقَدْرِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ وَجَهَالَتُهُ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَذَا الْعَقْدِ الِاسْتِرْبَاحُ وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ إلَّا بِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الْمَالِيَّةِ

وَالْمَالِيَّةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ إعْلَامِ ذَلِكَ كُلِّهِ لِيَصِيرَ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعْلُومًا لَهُ فَأَمَّا الْأَجَلُ فَهُوَ مِنْ شَرَائِطِ السَّلَمِ عِنْدَنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْأَجَلُ يَثْبُتُ تَرْفِيهًا لَا شَرْطًا حَتَّى يَجُوزَ السَّلَمُ عِنْدَنَا حَالًّا فِي الْمَوْجُودِ فَأَمَّا فِي الْمَعْدُومِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ إلَّا مُؤَجَّلًا وَاحْتَجَّ فِي ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ فَأَثْبَتَ فِي السَّلَمِ رُخْصَةً مُطْلَقَةً وَاشْتِرَاطُ التَّأْجِيلِ فِيهِ لَا يَكُونُ زِيَادَةً عَلَى النَّصِّ.

وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُ صَارَ مُعَاوَضَةَ مَالٍ بِمَالٍ فَيَكُونُ الْأَجَلُ فِيهِ تَرْفِيهًا لَا شَرْطًا كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ وَشَرْطُ جَوَازِ الْعَقْدِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ وَتَسْلِيمُ الدَّيْنِ بِالْمِثْلِ الْمَوْجُودِ فِي الْعَالَمِ وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْعَاقِلِ أَنَّهُ لَا يُقْدِمُ عَلَى الْتِزَامِ تَسْلِيمِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ فَإِذَا قِيلَ السَّلَمُ فِيمَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْعَالَمِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَذَلِكَ يَكْفِي لِجَوَازِ الْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَى التَّسْلِيمِ فِيمَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ يَقْدِرُ عَلَى التَّحْصِيلِ وَالتَّسْلِيمِ وَلِهَذَا أَوْجَبْنَا تَسْلِيمَ رَأْسِ الْمَالِ عَلَى رَبِّ السَّلَمِ أَوَّلًا قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَبِهَذَا فَارَقَ الْكِتَابَةَ الْحَالَّةَ، قَالَ: (فَإِنِّي لَا أُجَوِّزُ الْكِتَابَةَ الْحَالَّةَ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَخْرُجُ مِنْ يَدِ مَوْلَاهُ غَيْرَ مَالِكٍ لِشَيْءٍ) فَلَا يَكُونُ قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلِ وَرُبَّمَا يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ بِالْعَقْدِ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحْصِيلِ إلَّا بِمُدَّةٍ فَلِهَذَا لَا أُجَوِّزُهُ إلَّا مُؤَجَّلًا فَأَمَّا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ حُرٌّ مِنْ أَهْلِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْعَقْدِ فَالظَّاهِرُ قُدْرَتُهُ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعْدَمًا فِي الْعَالَمِ فَحِينَئِذٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّسْلِيمِ إلَّا بِوُجُودِهِ فِي أَوَانِهِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ إلَّا مُؤَجَّلًا وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَسْلَمَ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» فَقَدْ شُرِطَ لِجَوَازِ السَّلَمِ إعْلَامُ الْأَجَلِ كَمَا شُرِطَ إعْلَامُ الْقَدْرِ وَالْمُرَادُ بَيَانُ أَنَّ الْأَجَلَ مِنْ شَرَائِطِ السَّلَمِ كَالرَّجُلِ يَقُولُ مَنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ فَلْيَتَوَضَّأْ

<<  <  ج: ص:  >  >>