إلَّا مُؤَجَّلًا
وَلَمْ يُبَيَّنْ فِي الْكِتَابِ أَدْنَى الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ وَذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عُمْرَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى -: أَنَّ أَدْنَى الْأَجَلِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ اعْتِبَارًا لِلْأَجَلِ بِالْخِيَارِ الَّذِي وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِالتَّقْدِيرِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يَقُولُ أَدْنَى الْأَجَلِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ؛ لِأَنَّ الْمُعَجَّلَ مَا كَانَ مَقْبُوضًا فِي الْمَجْلِسِ وَالْمُؤَجَّلَ مَا يَتَأَخَّرُ قَبْضُهُ عَنْ الْمَجْلِسِ وَلَا يَبْقَى الْمَجْلِسُ بَيْنَهُمَا فِي الْعَادَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَمِنْ مَشَايِخِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ قَالَ: أَدْنَى الْأَجَلِ شَهْرٌ. اسْتِدْلَالًا بِمَسْأَلَةِ كِتَابِ الْأَيْمَانِ إذَا حَلَفَ الْمَدِينُ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ عَاجِلًا فَقَضَاهُ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ بَرَّ فِي يَمِينِهِ فَإِذَا كَانَ مَا دُونَ الشَّهْرِ فِي حُكْمِ الْعَاجِلِ كَانَ الشَّهْرُ فَمَا فَوْقَهُ فِي حُكْمِ الْآجِلِ
فَأَمَّا تَعْجِيلُ رَأْسِ الْمَالِ فَنَقُولُ إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ يَكُونُ التَّعْجِيلُ فِيهِ شَرْطًا قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعُقُودِ فَيَكُونُ هَذَا بَيْعَ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «عَنْ بَيْعِ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ» يَعْنِي: النَّسِيئَةَ بِالنَّسِيئَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ عُرُوضًا هَلْ يَكُونُ التَّعْجِيلُ شَرْطًا الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ شَرْطًا وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَكُونُ شَرْطًا وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الْعُرُوضَ سِلْعَةٌ تَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ بِخِلَافِ الدَّرَاهِمِ فَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّعْجِيلُ لَا يُؤَدِّي إلَى بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدِّينِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ السَّلَمَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ آجِلٌ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ عَاجِلًا لِيَكُونَ حُكْمُهُ ثَابِتًا عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الِاسْمُ لُغَةً كَالصَّرْفِ وَالْحَوَالَةِ وَالْكَفَالَةِ فَإِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا بِمُقْتَضَيَاتِ أَسَامِيهَا لُغَةً وَمِنْ عُلَمَائِنَا - رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى - مَنْ عَبَّرَ وَقَالَ: شَرْطُ جَوَازِ السَّلَمِ إعْلَامُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ وَتَعْجِيلُهُ وَإِعْلَامُ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَتَأْجِيلُهُ وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى شَرْطُ جَوَازِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَضْبُوطَ الْوَصْفِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ مَوْجُودًا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ
فَأَمَّا بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ فِيمَا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ مِنْ شَرَائِطِ جَوَازِ السَّلَمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْآخَرَ وَكَانَ يَقُولُ أَوَّلًا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَكِنْ إنْ بَيَّنَ مَكَانًا تَعَيَّنَ ذَلِكَ الْمَكَانُ لِلْإِيفَاءِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ يَتَعَيَّنْ مَوْضِعُ الْعَقْدِ لِلْإِيفَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَحُجَّتُهُمَا فِي ذَلِكَ أَنَّ مَوْضِعَ الْعَقْدِ مَوْضِعُ الِالْتِزَامِ فَيَتَعَيَّنُ لِإِيفَاءِ مَا الْتَزَمَهُ فِي ذِمَّتِهِ كَمَوْضِعِ الِاسْتِقْرَاضِ وَالِاسْتِهْلَاكِ وَهَذَا لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ وَمَحَلُّهُ الذِّمَّةُ فَإِنَّمَا يَصِيرُ مَمْلُوكًا لِرَبِّ السَّلَمِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ وَالتَّسْلِيمُ إنَّمَا يَجِبُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ فِيهِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ بَاعَ حِنْطَةً بِعَيْنِهَا بِالسَّوَادِ يَجِبُ تَسْلِيمُهَا مَوْضِعَ الْحِنْطَةِ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَلِأَنَّ أَحَدَ الْبَدَلَيْنِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ يَجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute