للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُرِدْ بِهِ قَطْعَ الْحَرِيرِ.

قَالَ (وَكُلُّ شَيْءٍ يَنْقَطِعُ مِنْ أَيْدِي النَّاسِ فَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِيهِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ مُنْقَطِعًا عَنْ أَيْدِي النَّاسِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ السَّلَمَ إلَيْهِ بِالْعَقْدِ يَلْتَزِمُ التَّسْلِيمَ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَقْدُورَ التَّسْلِيمِ عِنْدَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ (الثَّانِي:) أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا وَقْتَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا فِي أَيْدِي النَّاسِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَيَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ (الثَّالِثُ:) أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَعِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَلَكِنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (الرَّابِعُ:) أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الْمَحِلِّ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنْقَطِعُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ فَيَكُونُ الْعَقْدُ صَحِيحًا بِالِاتِّفَاقِ وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «دَخَلَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَهُمْ يُسَلِّفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ - وَرُبَّمَا قَالَ: ثَلَاثَ سِنِينَ - فَقَالَ: مِنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الثِّمَارَ الرَّطْبَةَ لَا تَبْقَى إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ وَمَعَ هَذَا قَرَّهُمْ عَلَى السَّلَمِ فِيهَا وَالْمَعْنَى فِيهِ وَهُوَ أَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَعْلُومٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ عِنْدَ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ فَيَجُوزُ الْعَقْدُ كَمَا لَوْ كَانَ مَوْجُودًا مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ إلَى وَقْتِ الْمَحِلِّ وَبَيَانِ الْوَصْفِ أَنَّ وُجُوبَ التَّسْلِيمِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ وَعِنْدَ ذَلِكَ هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْعَالَمِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى تَسْلِيمِ الدَّيْنِ بِوُجُودِ جِنْسِهِ فِي الْعَالَمِ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِ مَنْ يَقُولُ مِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَمُوتَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ عَقِيبَ الْعَقْدِ فَيَحِلَّ الْأَجَلُ لِأَنَّ هَذَا مَوْهُومٌ

وَلَا يُبْنَى الْعَقْدُ عَلَى الْمَوْهُومَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ اعْتِبَارَ هَذَا الْمَوْهُومِ يُؤَدِّي إلَى الْحُلُولِ أَوْ جَهَالَةِ الْأَجَلِ وَذَلِكَ مُبْطِلٌ لِعَقْدِ السَّلَمِ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْحَالِ فَدَلَّ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ يَنْقَطِعُ فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ الْمَحِلِّ يَجُوزُ الْعَقْدُ وَإِنْ كَانَ يُتَوَهَّمُ أَنْ يَتَأَخَّرَ التَّسْلِيمُ إلَى أَنْ يَنْقَطِعَ وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرَ مَا لَوْ عَيَّنَ مِكْيَالًا أَوْ قِيَمًا تُخَالِفُ مَا بَيْنَ النَّاسِ لِأَنَّ بُطْلَانَ الْعَقْدِ لَيْسَ بِاعْتِبَارِ هَلَاكِ مَا عَيَّنَهُ بَلْ بِاعْتِبَارِ جَهَالَةِ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ كَتَعْيِينِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَا لِأَنَّهُ يَتَوَهَّمُ أَوْ يُصِيبُ ثِمَارَ تِلْكَ النَّخْلَةِ آفَةٌ وَالدَّلِيلُ أَنَّ وُجُودَ السَّلَمِ فِيهِ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِجَوَازِ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ فِي زَمَانِ الْعَقْدِ لَا التَّسْلِيمِ لَا يَتَأَتَّى إلَّا بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ فَكُلٌّ يَسْقُطُ اعْتِبَارُ وُجُودِهِ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ فَكَذَلِكَ فِي زَمَانِ الْعَقْدِ وَحُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تُسَلِّفُوا فِي الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» وَفِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا» وَلَمْ يُرِدْ بِهِ النَّهْيَ عَنْ بَيْعهَا سَلَمًا وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ قُدْرَةَ الْعَاقِدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>