صِفَةُ السِّمَنِ وَالْهُزَالِ مَعْلُومَةٌ وَبِخِلَافِ الشَّحْمِ وَالْأَلْيَةِ فَالتَّفَاوُتُ فِيهِمَا مِنْ حَيْثُ الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ، وَبِذِكْرِ الْوَزْنِ يَزُولُ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ مَنْزُوعُ الْعَظْمِ سَوَاءٌ، وَهُوَ الْأَصَحُّ.
قَالَ (وَلَا خَيْرَ فِي السَّلَمِ فِي السَّمَكِ الطَّرِيِّ فِي غَيْرِ حِينِهِ،) لِأَنَّهُ يَنْقَطِعُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلِأَنَّهُ مُخْتَلِفٌ. فَالنُّكْتَةُ الْأُولَى: تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فِي حِينِهِ يَجُوزُ. وَالنُّكْتَةُ الثَّانِيَةُ: تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، وَحَاصِلُ الْجَوَابِ أَنَّ السَّلَمَ فِيهِ فِي غَيْرِ حِينِهِ لَا يَجُوزُ وَزْنًا وَلَا عَدَدًا، وَفِي حِينِهِ يَجُوزُ وَزْنًا وَلَا يَجُوزُ عَدَدًا لِأَنَّ فِيهِ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ إلَّا أَنَّ النَّاسَ اعْتَادُوا بَيْعَهُ وَزْنًا، وَالتَّفَاوُتُ فِي الْمَالِيَّةِ يَنْعَدِمُ بِذِكْرِ الْوَزْنِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يُفَرِّقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ الْعَظْمَ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ مِنْ اللَّحْمِ حَتَّى تَجْرِي الْمُمَاسَكَةَ فِي نَزْعِهِ، فَإِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى السِّمَنِ وَالْهُزَالِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي السَّمَكِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْكِبَارَ مِنْ السَّمَكِ الَّذِي يُقْطَعُ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا وَزْنًا بِمَنْزِلَةِ السَّلَمِ فِي اللَّحْمِ، فَإِنَّهُ إذَا كَانَ يُقْطَعُ تَجْرِي الْمُمَاكَسَةُ فِي نَزْعِ الْعَظْمِ مِنْهُ وَتَخْتَلِفُ رَغَائِبُ النَّاسِ بِاخْتِلَافِ الْمَوْضِعِ مِنْهُ، فَأَمَّا السَّمَكُ الْمَالِحُ فَلَا بَأْسَ بِالسَّلَمِ فِيهِ وَزْنًا مَعْلُومًا وَلَا خَيْرَ فِيهِ عَدَدًا، أَمَّا الصِّغَارُ مِنْهُ فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَزْنًا وَلَا سِمَنَ لَهُ وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْقَطِعُ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ وَزْنًا وَفِي الْكِبَارِ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ وَيَجُوزُ وَزْنًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بِخِلَافِ اللَّحْمِ فَهُنَاكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ إعْلَامِ مَوْضِعِ الْخُبْثِ أَوْ الطُّهْرِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ فِي السَّمَكِ فَلَا يَجُوزُ وَزْنًا
قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ فِي الْجُذُوعِ ضَرْبًا مَعْلُومًا وَسَمَّى طُولَهُ وَغِلَظَهُ وَأَجَلَهُ وَالْمَكَانَ الَّذِي يُوفِيهِ فِيهِ فَهُوَ جَائِزٌ) لِأَنَّهُ مَذْرُوعٌ مَعْلُومٌ كَالثِّيَابِ وَكَذَلِكَ السَّاجُ وَصُنُوفُ الْعِيدَانِ وَالْخَشَبُ وَالْقَصَبُ وَإِعْلَامُ الْغِلَظِ فِي الْقَصَبِ بِإِعْلَامِ مَا يَسُدُّ بِهِ الظَّنَّ بِشِبْرٍ أَوْ ذِرَاعٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَعِنْدَ ذَلِكَ لَا تَجْرِي الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا
قَالَ: (وَإِذَا اسْتَصْنَعَ الرَّجُلُ عِنْدَ الرَّجُلِ خُفَّيْنِ أَوْ قَلَنْسُوَةً أَوْ طَسْتًا أَوْ كُوزًا أَوْ آنِيَةً مِنْ أَوَانِي النُّحَاسِ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ذَلِكَ) لِأَنَّ الْمُسْتَصْنَعَ فِيهِ مَبِيعٌ وَهُوَ مَعْدُومٌ وَبَيْعُ الْمَعْدُومِ لَا يَجُوزُ لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ ثُمَّ هَذَا فِي حُكْمِ بَيْعِ الْعَيْنِ وَلَوْ كَانَ مَوْجُودًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِلْعَاقِدِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مَعْدُومًا بَلْ أَوْلَى وَلَكِنَّا نَقُولُ نَحْنُ تَرَكْنَا الْقِيَاسَ لِتَعَامُلِ النَّاسِ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ تَعَامَلُوهُ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى يَوْمِنَا هَذَا مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ مُنْكِرٍ وَتَعَامُلُ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ أَصْلٍ مِنْ الْأُصُولِ كَبِيرٌ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَا رَآهُ الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ» وَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute