مَفْصُولًا وَمَعْنَى هَذَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِكَوْنِ الْمَالِ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ بِقَوْلِهِ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ ثَمَنُ جَارِيَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ وَثَمَنُ الْجَارِيَةِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ لَا يَكُونُ وَاجِبًا إلَّا بِالْقَبْضِ لِأَنَّ الَّتِي هِيَ غَيْرُ مُعَيَّنَةٍ فِي حُكْمِ الْمُسْتَهْلَكَةِ وَثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ لَا يَكُونُ وَاجِبًا إلَّا بَعْدَ الْقَبْضِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْقَبْضِ ثُمَّ رَجَعَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ ابْتَعْتُ فَهُنَالِكَ مَا أَقَرَّ بِأَنَّ الْمَالَ وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهِ إنَّمَا أَقَرَّ بِالِابْتِيَاعِ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بِالْقَبْضِ وَبِخِلَافِ قَوْلِهِ ثَمَنُ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ بِمُقَابَلَةِ جَارِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَثَمَنُ الْجَارِيَةِ الْمُعَيَّنَةِ يَكُونُ وَاجِبًا قَبْلَ الْقَبْضِ يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمَالِ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ أَجَلًا غَيْرَ مُتَنَاهٍ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ إلَّا بَعْدَ إحْضَارِ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ وَمَا مِنْ جَارِيَةٍ يُحْضِرُهَا الْبَائِعُ إلَّا وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ الْمَبِيعَةُ غَيْرُهَا وَلَوْ ادَّعَى لِنَفْسِهِ أَجَلًا مَعْلُومًا كَشَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ فَهُنَا أَوْلَى بِخِلَافِ الْجَارِيَةِ الْمُعَيَّنَةِ فَإِنَّ هُنَاكَ مَا ادَّعَى لِنَفْسِهِ أَجَلًا لِأَنَّهَا حَاضِرَةٌ وَإِنَّمَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمَالِ بِشَرْطِ أَنْ يُسْلِمَ لَهُ تِلْكَ الْجَارِيَةَ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُقِرَّ لَهُ لَوْ قَالَ: الْجَارِيَةُ جَارِيَتُكَ مَا بِعْتَهَا وَلِي عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ يَلْزَمُهُ الْمَالُ وَلَوْ قَالَ: الْجَارِيَةُ جَارِيَتِي وَلِي عَلَيْكَ الْمَالُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ لَهُ شَرْطَهُ
قَالَ: (وَإِذَا أَسْلَمَ الرَّجُلُ إلَى رَجُلٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ فَأَعْطَاهُ كُرًّا بِغَيْرِ كَيْلٍ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَلَا يَأْكُلَهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ) لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَإِنَّمَا اشْتَرَاهُ رَبُّ السَّلَمِ بِذِكْرِ الْكُرِّ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ حَتَّى يَكْتَالَهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» يَعْنِي إذَا اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِكَيْلِ الْبَائِعِ وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ بَعْدَ الْقَبْضِ حَتَّى يَكِيلَهُ وَهَذَا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْقَدْرُ الْمُسَمَّى وَلَا يَعْلَمُ ذَلِكَ إلَّا بِالْكَيْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَالَهُ فَوَجَدَهُ أَزْيَدَ يَلْزَمُهُ رَدُّ الزِّيَادَةِ وَتَصْرِفُهُ مِنْ حَيْثُ الْأَكْلُ وَالْبَيْعُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مِلْكُهُ بِمَعْرِفَةِ الْمِقْدَارِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ وَإِنْ هَلَكَ عِنْدَهُ وَهُوَ مُقِرٌّ بِأَنَّهُ كُرٌّ وَافٍ فَهُوَ مُسْتَوْفٍ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ عَلَى وَجْهِ التَّمَلُّكِ بِعَقْدِ السَّلَمِ فَيَصِيرُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ وَقَدْ هَلَكَ عِنْدَهُ فَيَلْزَمُهُ مِثْلُهُ وَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ كُرًّا فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ لِأَنَّ مَا فِي الْمُقَاصَّةِ آخِرُ الدَّيْنَيْنِ قَضَاءً عَنْ أَوَّلِهِمَا وَآخِرُهُ دَيْنُ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَيَصِيرُ رَبُّ السَّلَمِ مُقْتَضِيًا طَعَامَ السَّلَمِ بِهِ وَلِأَنَّ الْقَبْضَ تَلَاقِي الْعَيْنِ وَاسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ الْعَيْنِ فَإِذَا أَقَرَّ أَنَّهُ كَانَ كُرًّا فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ بِقَبْضِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ وَهَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ فَأَمَّا فِي الْمَذْرُوعَاتِ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ قَبْلَ الذَّرْعِ لِأَنَّ الذَّرْعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute