الْخَصْمِ وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ بِهَذَا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ هُنَا قِسْمًا ثَالِثًا كَمَا فِي الْمَقْلِيَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ لِأَبِي حَنِيفَةَ الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ يَدٌ بِيَدٍ كَيْلٌ بِكَيْلٍ» وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّمْرَ اسْمٌ لِلثَّمَرَةِ الْخَارِجَةِ مِنْ النَّخِيلِ حِينَ تَنْعَقِدُ صُورَتُهَا إلَى أَنْ تُدْرِكَ وَمَا يَتَرَدَّدُ عَلَيْهَا مِنْ الْأَوْصَافِ بِاعْتِبَارِ الْأَحْوَالِ لَا يُوجِبُ تَبَدُّلَ اسْمِ الْعَيْنِ كَالْآدَمِيِّ يَكُونُ صَبِيًّا ثُمَّ شَابًّا ثُمَّ كَهْلًا ثُمَّ شَيْخًا
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْكُلَّ تَمْرٌ يُرَاعَى وُجُودُ الْمُمَاثَلَةِ حَالَةَ الْعَقْدِ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي دَخَلَتْ فِي الْعَقْدِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْمُمَاثَلَةِ سَبَبُ الْمُقَابَلَةِ وَذَلِكَ يَكُونُ عِنْدَ الْعَقْدِ وَمَا كَانَ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ إلَّا نَظِيرَ الْأَجْوَدِ فَكَمَا لَا يُعْتَبَرُ التَّفَاوُتُ فِي ذَلِكَ فَكَذَلِكَ فِي هَذَا وَقَدْ تَحَقَّقَتْ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا فِي الْكَيْلِ فِي الْحَالِ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ الَّتِي فِي الرُّطَبِ مَقْصُودَةٌ وَهِيَ شَاغِلَةٌ لِلْكَيْلِ فَلَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ إلَّا بَعْدَ ذَهَابِهَا بِالْجَفَافِ فَلَا يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ التَّفَاوُتَ كَانَ مَوْجُودًا وَقْتَ الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ فَإِنَّ بِالطَّحْنِ تَتَفَرَّقُ الْأَجْزَاءُ وَلَا يَفُوتُ جُزْءٌ شَاغِلٌ لِلْكَيْلِ فَتَبَيَّنَ بِالتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا بَعْدَ الطَّحْنِ أَنَّهُمَا لَمْ يَكُونَا مُتَسَاوِيَيْنِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَكَذَا الْمَقْلِيَّةُ بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ فَإِنَّ بِالْقَلْيِ لَا يَفُوتُ جُزْءٌ شَاغِلٌ لِلْكَيْلِ إنَّمَا تَنْعَدِمُ اللَّطَافَةُ الَّتِي كَانَتْ بِهَا الْحِنْطَةُ مُنْبِتَةً وَلَمَّا ظَهَرَ التَّفَاوُتُ بَعْدَ الْقَلْيِ عَرَفْنَا أَنَّ هَذَا التَّفَاوُتَ كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ صَاحِبُ الشَّرْعِ أَسْقَطَ اعْتِبَارَ التَّفَاوُتِ فِي الْجَوْدَةِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ وَاعْتُبِرَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ النَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ حَتَّى شَرْطَ الْيَدِ بِالْيَدِ، وَصِفَةُ الْجَوْدَةِ لَا تَكُونُ حَادِثَةً بِصُنْعِ الْعِبَادِ وَالتَّقَاوَةُ بَيْنَ النَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ حَادِثٌ بِصُنْعِ الْعِبَادِ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْأَجَلِ فَصَارَ هَذَا أَصْلًا إنَّ كُلَّ تَفَاوُتٍ يَنْبَنِي عَلَى صُنْعِ الْعِبَادِ فَذَلِكَ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ وَفِي الْمَقْلُوَّةِ بِغَيْرِ الْمَقْلُوَّةِ وَالْحِنْطَةِ بِالدَّقِيقِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَكُلُّ تَفَاوُتٍ يَنْبَنِي عَلَى مَا هُوَ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ مِنْ غَيْرِ صُنْعِ الْعِبَادِ فَهُوَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ وَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا كَالتَّفَاوُتِ بَيْنَ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ قَالَ: (وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَبَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ).
فَأَمَّا بَيْعُ الْحِنْطَةِ الْمَبْلُولَةِ بِالْيَابِسَةِ أَوْ الرَّطْبَة بِالْيَابِسَةِ يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ وَذُكِرَ فِي نُسَخِ أَبِي حَفْصٍ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ قَوْلُهُ الْآخَرُ فَأَمَّا قَوْلُهُ الْأَوَّلُ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَأَبُو حَنِيفَةَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْكَيْلِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَمُحَمَّدٌ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِي أَعْدَلِ الْأَحْوَالِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ سَعْدٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ فِي الْحِنْطَةِ الرَّطْبَةِ وَالْمَبْلُولَةِ بَعْد الْجُفُوفِ وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ الْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَكِنْ تَرَكْتُ الْقِيَاسَ فِي الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ لِلْحَدِيثِ وَالْمَخْصُوصُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute